ودع المئات من شعبنا يوم أمس الشاعر الراحل حنا ابو حنا في أمسية تكريمية أقامتها جمعية الثقافة العربية وعائلة الفقيد وبمشاركة لفيف من المؤسسات الثقافية والتربوية ولجنة المتابعة، وذلك في مدينة حيفا.
المحدّثين: د. جوني منصور (كلمة جمعيّة الثقافة) | السيّد محمد بركة (كلمة لجنة المتابعة العليا) | الوزير عاطف أبو سيف (كلمة وزارة الثقافة الفلسطينيّة) | الأستاذ شحادة شحادة (كلمة الكليّة الأرثوذكسيّة) | اميّة أبو حنّا وهشام عبده (كلمات العائلة) | الكاتب إبراهيم نصر الله.
افتتحت الأمسية بكلمة العرافة للسيدة رنا أبو حنّا، حيث رحّبت بالحُضور وأعطَت جانبًا من مسيرة الشّاعر وحقّه في التّكريم لما أَعطاه لشعبنا. ومن ثم تلاها كلمة افتتاحية لجمعيّة الثقافة العربيّة التي ألقاها المُؤرخ وعضو الهيئة الإدارية للجمعية د. جوني منصور.
ومما قاله د. جوني منصور:
"في هذا المساء نقف لنستذكر قامة أدبية، اجتماعية، تربويّة وسياسيّة. وفوق كلّ هذا قامة إنسانيّة. كان حنّا أبو حنّا مغايرًا ومختلفًا في سيرته. حيث أنه ارتوى من منابع ثقافيّة متعدّدة في الوطن خصوصًا إلى أن بلغ سنّ الشباب، ليستثمر ما ارتواه ويجعله ركنًا لحياته وسيرته. لم تقوّ وظيفته في التعليم بشكلٍ خاص على اخضاعه لأنظمة واضعها وسياساته المتشدّدة في وقت حرج كان هذا الوطن يمرّ فيه.
فالثورة ليست في كلماته فقط بل في نهج حياته وسلوكه التعليميّ التي ما زالت أثاره بادية للعيان في تلاميذه ومحبيه."
وبعدها تحدث السيد محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا حيث قال: " في سجلّ حنا أبو حنا الثري صفحات ناصعة تحمل بوصلة الموقف الوطني عندما عزّ الموقف، الموقف الشامخ وباهض الثمن في تلك الأيام الحالكة التي تلت النكبة. حنا أبو حنا أشهر موقفه والتزامه وقلمه في وجه الكارثة. الامر الذي استوجب بطولة استثنائيّة ليجد نفسه في إطار انتمائه للحزب الشيوعي في تلك الأيام، في معمعان جدليّة الكارثة والبطولة، التهجير والبقاء، الاضطهاد والمقاومة ليكون هو على الدوام في المكان الصحيح المفروز للمناضلين في هذه الجدلية القاسية. "
ومن جهة أخرى، أعرب وزير الثقافة الفلسطينيّة عاطف أبو سيف عن تقديره للمساهمين في احياء ذكرى الشاعر الكبير حنا أبو حنا حيث قال في كلمته: " نستعيد معك ذكريات المسيرة الطويلة التي سار بها شعبنا، رغم الألم، رغم الجرح، رغم العذابات لكنّه ضل باقيًا. وهذه هي الحقيقة المهمّة في كل ما يمكن قوله ونحن نستعيد قصائد أبو الأمين في دواوينه المختلفة، أو في كتاباته ومدوّناته. أن شعبنا ضلّ باقيًا لأن درب الخالدين الذي سار الخالدين الذي سار عليه حنا أبو حنا حمل فلسطين معه، كتب لها وغنّى لها. وبقدر كلّ الألم الذي عاشته فيه وعاشه فيها بقدر هذا الحب الذي لم ينضب.
هذا الجيل هو الجيل الذي استطاع أن يخلق هذه النهضة الثقافية التي حملت هويّة شعبنا الوطنيّة. سواء في أدبيات الشعر المختلفة من حنّا أبو حنا، محمود درويش، راشد حسين، سميح القاسم وكوكبة شهيرة من الأدباء والكتاب أمثال غسان كنفاني، إميل حبيبي وجبرا ابراهيم جبرا. إن الحفاظ على إرث الآباء المؤسسين للأدب الوطني الفلسطيني هو مهمة أساسيّة في وزارة الثقافة الفلسطينيّة نتطلّع إليها باهتمام كبير."
وفي كلمة قدمها المربي شحادة شحادة مدير الكلية الأرثدوكسية في حيفا، قال: " نستطيع أن نقول بمنتهى الحق والمسؤوليّة أن صداه لا زال يتريع في جنبات الكليّة وعلى مساحة كل الوطن، بفعل حنّا-يحيى. فهذا الإنسان جسّد شعبنا بكامل مشاهده، وتناول هذا التجسد بمنتهى الإخلاص ومرّره عبر الأجيال. ونحن في الكليّة نتمنّى أن نستمر وسنستمر بكل الطاقة في هذا الاتجاه، فنحن شعب واحد وسنبقى كذلك.
سأتكلّم عن صورة هذا الإنسان في نفسي وعمّا علمني دون أن يعلّمني حصة واحدة. كانت محادثات الأستاذ حنا هي العنوان البوصلة التي رافقتني طيلة سنوات وجودي في الكلية ولا زالت، وتمحورت على نقطتين؛ الأولى، أن المعلّم هو مربٍّ شاء أم أبى، والثانية أن البعد الوطني في عمل المعلم هو عامود الأساس في التربية.
حنا أبو حنا هو أستاذ المختصر المفيد الذي يدرس الامور من كافّة جوانبها وصولًا إلى أفضل خواتيمها.
وكانت شهادة طلاب أبو الامين من أروع ما سمعت عنه."
وعبر تقنية الفيديو، تحدث الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله الى جمهور الحفل عن علاقته بالشاعر حنّا أبو حنا وتأثيره حيث قال: "كنت أتمنى أن أجلس بين يدي الشاعر الكبير حنا أبو حنا طالبًا وأنا في السّادسة من عمري أو في بدايات محاولات كتابة قصائدي ورواياتي الأولى، لكنني حرمت من ذلك وكم من أشياء حرمنا منها منذ عام النكبة."
وأكمل: "قرأت في بداياتي عن علاقة حنا أبو حنا بشباب شعر المقاومة، ثم سمعت فيما بعد منهم عن تلك المكانة العالية التي يحتلّها في نفوسهم وكنت أغبطهم على محبّته ورعايته لهم وما يكتبه عنهم بمحبة الوطن وكرم الغيمة وظلها ومطرها، كنت أتمنى أن أجلس بين يديه طفلًا ولم يتسنّى لي ذلك إلا بعد أن بلغت الثانية والخمسين من عمري، في ذلك اليوم الذي أقامت فيه مكتبة "كل شيء" حفل إطلاق رواية "زمن الخيول البيضاء" في فلسطيننا. ولكن خفت يومها حين رأيت اسم الكبير حنا أبو حنا بين الأسماء العزيزة التي ستناقش الرواية، فأن يقرأ حنا هذه الرواية فهذا يعني أنها وصاحبها قد بدأ علاقتهما به في قاعة امتحان، خفت من قراءته كما لم أخف من أي قراءة في أي يوم من الأيام وقلت هل كان علي أن اكتب عن حيفا في هذه الرواية، صلي، من أجل أن لا يكون خطأ فيها متعلق بهذه المدينة الغالية، فها هي الرواية بين يدي قديس حيفا وعاشقها الأكبر الذي عاشها موجة موجة، شارعًا شارعًا، وقصيدة قصيدة وبقيت خائفا الى أن وصلني تسجيل تلك الأمسية، وعندها أدركت أن "زمن الخيول البيضاء" قد تعمدت بقراءته لها."
وخلال الأمسية وفي إحدى الفقرات الرئيسية تم عرض فيلم "زيتونة الجليل" وهو من اخراج الفرد حداد وانتاج جمعية الثقافة ليسرد السيرة الذاتية للراحل ومسيرته الزاخرة بالإنتاج الثقافي والمحطات النضالية، حيث يقدم الفيلم نصا بحثيا في سيرته أعده د. جوني منصور وكتبته سهيلة غطاس، وقدمته الشاعرة أسماء عزايزة، وقدم موسيقاه التصويرية الفنان حبيب حنا شحادة، وأشِرف على مواده الشاعر علي مواسي.
ليستمر بعدها العرض بفقرة غنائية للفنانة هويدا نمر -زعاترة بمرافقة العازف جيل زعاترة من أناشيد الشاعر التي كتبها لفرقة الطليعة في ستينات القرن الماضي والتي ساهم أيضا بتأسيسها، وتلاها قراءة من السيرة الذاتية "ظل الغيمة" قدمتها الفنانة فداء زيدان بمرافقة الفنان حبيب حنا شحادة.
وفي فقرة خاصة تفاعل معها الجمهور بشكل لافت، القت ابنة الشاعر الراحل أميّة حنا أبو حنا كلمة عبر الفيديو لشكر الجمهور وللحديث حول حنّا الأب والانسان العاطفي تلاها قراءة شعرية لحفيدته ديمة عبده بقصيدة "أحبك" التي كتبها الشاعر لزوجته سامية، ورسالة من حفيده سامي عبده الذي رافقه في توثيق وتسجيل قصائده في السنوات الأخيرة، واختتمها الناشط السياسي هشام عبده صهر الشاعر وطالبه بكلمة مركزية عبّر فيها عن امتنان العائلة للحضور الكبير والدفء في التعبير عن حب الناس لحنا أبو حنا ورسالته.
وتحدث السيد هشام عبده عن أستاذه حنا أبو حنا في كلمة مؤثرة حيث قال: "في العامِ 1982، دَخلَ علينا أستاذُنَا المُربِّي حنّا أبو حنّا وسَـرَدَ علينا قصّة َ أهلِ الكهْـف، الذين دخلوا الكهفَ شباباً، ونامُوا فيهِ آمنين لمُدَّةِ ثلاثة قرونٍ، ثمّ أفـاقـوا وأكْـمَـلوا حَيــاتَــهِم. لَـم يَـذكرْ لـنَـا أستاذُنا مَصْدرَ القصّة، لكي يجعلَنا أن نُـفكِّـر لوحدِنا في معانِــيها. لكـنَّه سألَـنا يـوْمَها سؤالاً مـُفاجـِئا لَــم أفـهَـمْ معناهُ الحقيقيّْ إلا بعدَ سنين، وعاوَدَني هذا السؤال هاجـِـساً مُلحّاً في ذهنِـي في اللحظات بعدَ وفاةِ العمّ أبي الأمين: "هل ستكون حياةُ هؤلاء الشباب ذاتْ مَعنـىً لـهُـم ـ إذا ما استيقظوا بعد ثلاثمائة عامٍ، بعدَ أن تَرَكَـهُم كلُّ أصدقائِهم وأتْرابِهِـم وأهاليِهم؟" عادَ هذا السؤال، واستحوذَ علــى وُجداني وأفكاري يومَ الوفاةْ.وتساءَلـتُ هل كشفَ لنا حَـنّا أبو حنّا الإجابـةَ عن السؤالِ فـي يوم ِ وَفـاتِه؟ انتابني شعورٌ بأنّ حنأ أبو حنّا كان يعتقدُ أنَّ حياةَ أهلِ الكهف, ستكونُ حـتْماً صَعْـبَــة ً للغاية، لأنهم بُعثوا في زمنٍ بعيدٍ عن عصرِهِم وزمَانِهم، وبعد أن ذهبَ كلُّ أحبابـِهم!وهكذا أعتقدُ أنّ أبا الأمين، بعدَ أن ترَكَهُ رويداً رويداً أغلَى الأصدقاء: مِثلُ الشاعِر مَحمُود درويش، والشاعِـر سَـمِيح القاسم، والمُناضِلْ صلـيبا خميس, وغيرُهم، شَــعـرَ أنّـه أصْـبَحَ في زمانٍ آخرْ, وشعرتُ أنّه تركَ الحياةَّ طَـواعية!هكذا كانَ العمّ حنّا أبو حنّا مُربيّا ومُوجِّهاً بكُل جوارحِهِ."
وفي الختام، قدم الشاعر علي مواسي وأحد طلاب الشاعر الراحل الفقرة الشعرية المركزية في الحفل تحت عنوان "تسير بنا الطرقات" بمرافقة الفنان حبيب شحادة حنا، ليقدم شعر الراحل حنا أبو حنا بتفاعل كامل مع الجمهور، حتى اختتام الأمسية بصوت قصائده المسجلة.
وفي حديث مع السيدة ماجدة عكاوي - طباجة، المسؤولة التنفيذية في جمعية الثقافة وأحد القائمين على إنتاج العروض قالت : "ودعنا اليوم بصورة لائقة وبكلماته التي القاها الشعراء والفنانين والمطربين شاعرنا الكبير حنا ابو حنا في حيفا، نحن مسرورون وفخورون بتلبية الدعوة لتكريم أحد صناع الثقافة وأبرز الوطنيين الفلسطينيين في الانتاج الشعري والأدبي.
سنبقى حافظين لمسيرة وإرث وقيم مسيرة حنا أبو حنا وما شابهها من قيم تحفظ هويتنا الوطنية وعدالة قضيتنا وكرامة الناس."