اختتمت مُؤخّرًا جمعيّة الثّقافة العربيّة ومنحة روضة بشارة عطا – الله، بدعم من صندوق الجليل – لندن، العام الدراسيّ الحاليّ لطلبة المنحة وأصدقائها، بسلسلة من الورشات والتدريبات ضمن برنامج المشروع التربويّ، والذي يجري العمل عليه منذ بداية العام الدراسيّ الحاليّ، مُجدّدًا ومحاكيًّا حاجة المنحة إلى ملائمة تطلعاتها وفقًا للظروف السياسيّة والاجتماعيّة الآنيّة. هذا وصبّت الجمعيّة جزءً كبيرًا من مواردها وطاقاتها على بناء برنامج مشروع تربويّ يضم بداخله مشاريعًا متنوّعة، تهدف إلى بناء طليعة أكاديميّة مُثقّفة حاملة لوعيّ جمعيّ وفرديّ.
نبعت الحاجة إلى تجدّد برنامج المنحة من التقيّيم الذي قامت به الجمعيّة والذي أثمر عن رغبة في تطوير أثرها على المحيط الاجتماعيّ-السياسيّ بين أوساط الطّلبة وعلاقتهم مع المُجتمع في ظلّ التغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة الّتي يعيش فيها الشعب الفلسطينيّ عامّةً والدّاخل خاصّةً. وبناءً على ذلك، تقرّر بناء مجموعات عمل وبحث عديدة من خلال المشروع التربويّ خدمةً لهذا الهدف، وهي: "سيادة الأرض"، "تشكيل "، "المرافئ الفكرية"، "عمل فني"، و"إثراء".
سيادة الأرض: الاستدامة الرعويّة وورش عمل ميدانيّ
أقيمت ورشات مشروع "سيادة الأرض" ضمن سلسلة من اللقاءات التي تناولت قضايا الاستدامة البيئية والرعوية في فلسطين، حيث تضمنت الورشات تدريبات حول استخدام الموارد الطبيعية بشكل سليم، ومناقشة توازن الاستهلاك، مع التركيز على أساليب الزراعة المستدامة التي اتبعها الفلسطينيون قبل الاحتلال. وقد شملت ورش العمل أنشطة ميدانية، مثل استكشاف مسار المنتجات من المواد الخام حتى وصولها إلى رفوف المتاجر، لتسليط الضوء على الأنظمة في خلق الاستهلاك المُفرط وعدم التوازن البيئي، وذلك بهدف تشجع الشباب على التفكير العميق في تأثير الاستهلاك على البيئة.
المرافئ الفكرية: محاضرات حول النكبة والأيديولوجية الصهيونية
استضاف مشروع "المرافئ الفكرية" عدة محاضرات حول تأثير النّكبة الفلسطينيّة والحركة الصهيونيّة على الوعيّ الفلسطيني، حيث قدم الدكتور محمود محارب، الباحث والمؤرخ الفلسطينيّ، محاضرة حول جذور الصهيونية وأيديولوجياتها، وتأثيرها على شكل الحرب المُمارسة بحق الفلسطينيّين في كافة أماكن تواجدهم. إضافةً إلى محاضرة لطالبة الدكتوراه أسرار كيال والمختّصة بعلم النفس الجماهيريّ، والتي تناولت فيها الآثار النفسيّة والاجتماعيّة للنكبة وكيفية تعزيز الاقتدار الجماهيريّ الفلسطينيّ. سبق ذلك نقاشًا حول الواقع السياسيّ الحاليّ الذي يعيشه الفلسطينيّون في الدّاخل بفعل تجييش وعسكرة المجتمع الإسرائيليّ منذ الحرب، بتوجيه من الزميل معتصم زيدان.
عمل فني: تعزيز الوعي الفني في سياق ما بعد الاستعمار
قدم المشروع ورشة عمل مع لبنى الصانع، الفنانة والمهندسة المعماريّة من النقب، حول الفنّ والتصميم المعماري في سياق ما بعد الاستعمار، مركّزة على تقنيات البناء التقليديّ المتناسب مع البيئة، وتطبيقها في قرى النقب غير المعترف بها. يُمكّن هذا المشروع الطلاب من فهم الفنّ كوسيلة للتعبير عن القضايا الاجتماعيّة، ويُشجعهم على توسيع آفاقهم الفنّيّة وتعزيز ارتباطهم بمجتمعهم ومؤسساته الثقافيّة. وسبق ذلك ورشات حول تصميم الملابس عند الشعوب الأصلانيّة وورشات أخرى حول الفنّ والثّقافة.
مشروع إثراء: تعزيز المحتوى الفلسطيني الرقمي
في إطار مشروع "إثراء"، نظّمت المجموعة عدد من اللقاءات التحضيريّة مع عدّة مُرشدين ومُرشدات من فريق ويكيبيديا. ويهدف المشروع إلى إثراء المحتوى الفلسطيني على الإنترنت من خلال إضافة كتب، شخصيات، ومقالات تركز على الهوية والثقافة الفلسطينية، باستخدام منصات رقمية مفتوحة مثل WikiSource وWikiData وWikipedia. يسعى المشروع إلى تمكين الشباب من توسيع المحتوى الرقمي حول التراث الفلسطينيّ وتعزيز حضور الهوية الفلسطينيّة في الفضاء الرقميّ.
مشروع "تشكيل": قيادة شبابيّة مُؤثّرة وفاعلة
أحتفى برنامج المنحة بتشكيل عدد من المجموعات الشبابيّة تحت إطار مشروع تشكيل – قيادة شبابيّة فاعلة ومؤثّرة، والّذي يهدف إلى تأسيس مجموعات مكوّنة من طلبة مدارس في المرحلة ثانويّة عربيّة عديدة في بلداتٍ عدّة في الدّاخل، وطامحة إلى تعزيز وتقديم مضامين اجتماعيّة وإنتاج مُبادرات مجتمعيّة من أجل البلد والمجتمع من قبل الطلبة أنفسهم/نّ.
تضمنت الورشات نقاشات حول آليات مناهضة العنف مجتمعيًّا، الاتصال الناجع مقابل العنف، سبل الحد من العنف والجريمة في مجتمعاتنا ودور القادة في خلق بيئةً وحيزًا أكثر أمانًا. الهوية ومكّونتها ودورها في تثبيت صمود الفلسطينيّين، وأثرها على الرؤية في القيادة الهادفة لخلق مستقبل أفضل. علاوة على ذلك، استعراض لأهمية العمل المجتمعيّ وأهمية القادة في بلورة محفزات العمل وتحقيق الأهداف عند الشعوب.
وفي تعقيب للزميلين لورين كنعان وعز عودة حول إطلاق المجموعات، ذكرا أن هذه المجموعات ومشاريعها تُجسد قيم برنامج المنح منذ إنشائه والتزام جمعيّة الثّقافة العربيّة بدعم الشباب الفلسطينيّ ورفع مستوى الوعيّ المجتمعيّ حول القضايا الثقافيّة، السياسيّة، الاجتماعيّة والبيئية في ظلّ نكبة بيئة جديدة تُمارس بحقنا، وتُبين أيضًا أهمية خلق مساحة للتعلّم والتبادل الفكري الحرّ، والمساهمة في بناء جيل مُثقّف ومُلتزم بقضايا مجتمعه وشعبه.