جمعيّة الثّقافة العربيّة تحتفل بخمسة وعشرين عامًا على تأسيسها

(*) حيفا- احتفلت جمعيّة الثّقافة العربيّة، يوم الجمعة الفائت، 14.07.2023، بذكرى مرور خمسة وعشرين عامًا على تأسيسها وذلك من خلال تقديم عرض "نوتة في بحر" وتحت شعار "نُربّي الأمل"، حيث شهدت قاعة "كريغر" في حيفا، حضور المئات من مختلف أطياف المجتمع الفلسطيني وقياداته الاحتفاليّة، التي اشتملت على عدّة كلمات احتفاء وعرض موسيقي حيّ.

وكللّت الجمعيّة يوبيلها الفضّي وتراكم إنجازاتها بإعلان سلسلة من التّدريبات، الدورات والأيام التطوعيّة، والتي ستمتدّ حتى نهاية العام الحالي. وتهدف هذه الفعاليات الى تّمكين مجتمعيّ وفاعل في المشهد الثّقافيّ الفلسطينيّ في الداخل، ورشات تحاكي تطلّعات الجمعيّة، رؤيتها ورؤياها حول ضرورة تشكيل مُجتمع مُستقل ثقافيًا ومُنتج للثّقافة والأدب والصوت النقدي المعتز بهويته.

 واستضافت الجمعيّة الفنّان والموسيقي حبيب شحادة حنّا خلال عرض "نوتة في بحر" الذي أنتج بشكل خاص لأمسية الاحتفالية، واستضاف فيه نخبة من الفنّانين والفنّانات في القطاع الثقافي والفنّي المحلي والعربي وهم: شادي دكور، رنا إدريس، رنا خوري، ميرا عازر، جوقة الجليل وفرقة دوبان للرقص الاحترافي.

وخُصص ريع التذاكر التي تم بيعها لحضور الأمسية لدعم برنامج المنح الدراسيّة وصندوق "سِماك" الذي أنشئ في الأسابيع القليلة الماضيّة، والهادف لتوفير أكبر عددٍ ممكنٍ من المنح الدراسيّة للطّلبة الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر. والمنحة تُغطّي قرابة 80% من القسط الجامعي، وتمتدّ على مدار 3 سنواتٍ يتم خلالها تقديم دعمٍ أكاديميٍّ ومعنويّ للطّالب/ة، بالإضافة إلى برنامجٍ تثقيفيٍّ يهدف إلى تنمية جيل مُبادر ومعطاء. وجاء إنشاء الصندوق ثمرة عملٍ دؤوبٍ وتراكمات لمنح سابقة وحالية خرجّت الجمعيّة من خلالها أكثر من 1200 من الطّلبة الفلسطينيين الذين تعلّموا في المؤسسات الأكاديميّة على جانبي الخط الأخضر.

افتتحت الأمسية من جانب جمعيّة الثّقافة العربيّة الإعلاميّة مريم فرح، مُركزة المشاريع في الجمعيّة، فتحدثت عن الجمعية وأهدافها وبرامجها المستقبلية.

وتلاها رئيس الهيئة الإدارية في الجمعيّة الكاتب أنطوان شلحت الذي خصّص كلمته لاستعادة ظروف تأسيس الجمعيّة مؤكدًا أنّها انطلقت من ضرورة واقع سياسي مُركّب بفعل تغييرات عديدة حصلت في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى رؤية الجمعيّة وسياساتها في ظل الواقع الذي يعيشه الفلسطينيّون في داخل الخط الأخضر. وتطرق أيضًا الى سياسات الجمعيّة وأهمية رؤيتها وسعيها غير المتوقف للحفاظ على استقلاليتها الثقافيّة في ظل الضغوط التي تُمارس على المشهد الثقافي الفلسطيني.

وأشار شلحت إلى قرب تحقيق إنجازين مهمين للجمعية: إنشاء صندوق "سِماك" الذي من شأنه أن يكرّس منحة الجمعية والتي لا تنحصر في الجانب الاقتصادي، على أهميته، وترميم المركز الثقافي العربي الذي سيكون بمثابة حاضنة ثقافية لمجتمعنا الفلسطيني هنا والذي لا تنفك الثقافة تُعدّ إحدى دعاماته الاستراتيجية للحفاظ على هويته القومية والوطنية، وعلى انتمائه الحضاري، وقيمه الكونية.

وختم شلحت: "لم تولد جمعية الثقافة العربية من الحائط، ولا من إصبع جوبيتر، بل في ظروف مُحدّدة، وسياق تاريخي شديد الخصوصية، وهذا يستلزم منّا أن نستعيد الماضي في النصف الثاني من تسعينيات القرن الفائت، حين هجست مجموعة من المثقفين كان على رأسها المفكر والقائد السياسي عزمي بشارة بأفضل السبل لمقاومة الأسرلة، في منعطف باتت فيه خطرًا داهمًا أكثر من أي وقت مضى، تحت وطأة المسار الذي أفضى إلى اتفاق أوسلو. ولا أبالغ حين أقول إنه عندما سيكتب التاريخ إجماله لتلك الفترة المفصلية سيسجل أن هذا التأسيس، إلى جانب ما ساهم فيه بشارة من كتابات فكرية حملت سمتي التشخيص الدقيق والاستشراف البعيد المدى، كانا بمثابة أولى علائم التحذير من مغبة هذا المسار، وأولى دعامات الحفاظ على هويتنا الفلسطينية هنا من التشويه الذي كاد أن يتحول إلى صيرورة قسرية. بناء على ذلك نرى أن من واجبنا في هذا الاحتفال أن نحتفي بجيل المؤسسين، وأن نثمن عاليًا ما أقدموا عليه، وأن نرسل لهم تحياتنا الحارّة حيث هم".

وتم عرض فيلم "اليوبيل" الذي تم إنتاجه خصيصًا من أجل الاحتفالية، ويتناول مسار 25 عامًا من إنجازات الجمعيّة ومشاريعها، ومحاولة فحص الأثر الذي تركته على المجتمع الفلسطيني في الداخل بشكل خاص، والهوية الفلسطينيّة بشكل عام. وكتب سيناريو الفيلم المدير العام السابق للجمعيّة الكاتب إياد البرغوثي، وأخرجه وأنتجه الفنان ألفريد حداد.

وتحدث المدير العام لجمعيّة الثّقافة العربيّة، السيد مصطفى ريناوي، الذي أكد بدوره على العمل الدؤوب الذي تقوم به الجمعيّة في ظل الظروف السياسيّة التي تعصف بفلسطينيي الداخل الذين يعيشون سياسات تضييق إسرائيلية على الخطاب الذي يجب على المجتمع أن ينتجه من أجل الحفاظ على الهويّة الوطنيّة.

وأشار ريناوي إلى أنّ الاحتفاء بهذه المُناسبة ليس بالأمر الهيّن، حيث تسعى الجمعيّة على مدار الأيام والساعات لخلق تأُثير واضح على المشهد الثقافي بدون شروط تفرضها الحكومات الاسرائيليّة المتعاقبة. وأضاف: "إن الاحتفاء هو بمثابة هدية وامتنان لعمل المؤسسين، والذين التقيت معهم خلال فترة انفتاحي على العمل الأهلي والوطني، ومثّلوا لي بمثابة الأهل الذين ساهموا في قيادة رسالة ورؤية مجتمعيّة، وتحديدًا مديرة الجمعية السابقة، الراحلة د. روضة بشارة عطا- الله".

وختم المدير العام حديثه بقوله: "ننظر الشهر القادم إلى الأمام وأعيننا تتجه نحو بدء أعمال ترميم المركز الثّقافي العربي في حيفا خلال الأسابيع القادمة، بعد أنّ تخطّينا عراقيل كثيرة واجهت المشروع على مدار العقد الأخير، ليتصدّر هذا العام بدء تنفيذ مشروع وطني مركزي هام من خلال طاقم من المختصّين المهنيين ومجموعة داعمة ومتطوّعة من إدارة الجمعية وأصدقائها".

واختتمت مركزة صندوق الدعم المجتمعي في الجمعيّة المتمثل بصندوق "سِماك"، السيدة لبنى توما، الكلمات الاحتفالية، وتحدثت بدورها عن تجربتها الشخصيّة في الجمعيّة، وقالت: "عدت الى الجمعيّة بعد أربع سنوات كمنسقة منحة روضة بشارة عطا الله من أجل خلق النموذج الذي لطالما حلمنا بإنشائه برفقة زملائي السابقين والحاليين في جمعيّة الثّقافة العربيّة، وهو صندوق "سِماك" وهو نموذج تكافل مجتمعي، عمل عشرات الطّلبة والمختصين من مجالات عديدة عليه. عملنا سويةً لإنجاحه وإظهاره للنور بعد جهد جهيد وذلك لأن طلابنا العرب في الجامعات بحاجة لمؤسسة ترعى شؤونهم وخصوصيتهم في الجامعات الإسرائيلية، طلابنا بحاجة لدعمنا ويجب علينا أن نستمر حتى نوّسع رقعة المستفيدين". ودعت توما من خلال كلمتها الحضور وجماهير شعبنا للتبرّع للصندوق، ودعم الطّلبة بشتى الطرق الممكنة. 

جدير بالذكر أنه تزامنت مع الأمسية حملة إعلاميّة مستمرة أيضًا لأيام مُقبلة تهدف الى فتح الأرشيف وإخراجه الى النور، مشاركته مع الجمهور، والتعلم منه والمساهمة في تطوير المشهد الثقافي في ظل الظروف القمعيّة التي يعاني منها الفلسطينيّون في الداخل. وفي هذا الشأن أكد مدير الجمعية مصطفى ريناوي: "عندما اطلعنا على آلاف الأوراق والصور والذكريات، وجدنا كنزا وطنيا تنويريا، يستحق الفخر والاحتفال والمشاركة مع آلاف الناس التي ساهمت في هذه المسيرة التراكمية، من المؤسسين والطواقم الأولى، والمتطوعين، والطواقم والإدارات اللاحقة، حتى اليوم".