(*) حيفا: نظّم مركز الأبحاث التطبيقيّة - مدى الكرمل بالشراكة مع جمعيّة الثقافة العربيّة وجمعيّة الشباب العرب – بلدنا، يوم الثلاثاء، الموافق لتاريخ 20/08/2024، ندوة وإشهار كتاب "هبّة في حالة عتبة" للباحث خالد عنبتاوي، والذي يُقدّم مقاربة سوسيولوجية لهبّة الكرامة (أيّار 2021).
التقى حشد كبير ولفيف من الأكاديميين واالناشطين والنشاطات الشباب في قاعة "ميرال"، في حيفا، يوم الثلاثاء، ضمن ندوة حملت عنوان "عن الفعل السياسيّ والاستكانة: فلسطينيّو ال 48 بين هبّة الكرامة وحرب الإبادة" والتي خصصت لإشهار كتاب الباحث خالد عنبتاوي الذي حمل عنوان " هبّة في حالة عتبة: هبّة الكرامة (أيّار 2021) والفعل الإنتفاضيّ - الشعبيّ لدى فلسطينيّي 1948 - مقاربة سوسيولوجيّة" والصادر عن مدى الكرمل.
تبحث الدراسة المذكورة أعلاه في خصائص هبّة الكرامة بوصفها حراكًا شعبيًّا احتجاجيًّا معاصرًا وسياقاتها التاريخيّة في الداخل الفلسطينيّ، وتحاول -استنادًا إلى تناول هبّة الكرامة وفهم طبيعتها وعواملها - أن تفهم التحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة الجارية في الداخل على مستوى المجتمع والدولة وما بينهما، وكيفيّة تأثير هذه التحوّلات في رسم مسارات الهبّة. وقد جرت هذه التحوُّلات خلال أكثر من عشرين عامًا منذ هبّة أكتوبر (2000) في الداخل التي كانت جزءًا من الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية (2000-2005).
خالد عنبتاوي هو باحث في مركز مدى الكرمل ومرشَّح لنيل درجة الدكتوراه في معهد جنيڤ للدراسات العليا في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا. تتركّز اهتماماته البحثيّة في دراسات سوسيولوجيا الهُويّة والحيّز في الواقع الاستعماريّ-الاستيطانيّ.
جاءت ندوة اشهار الكتاب، بعد مرور ثلاث سنوات على هبّة الكرامة و11 عامًا على هبّة برافر، وفي ظلّ العدوان الإسرائيليّ وحرب الإبادة على قِطاع غزّة اليوم. بين حالة الفعل السياسيّ والنضاليّ عام 2021 و2013، وحالة الصمت اليوم، قدّمت الندوة الكثيرُ دروسًا وهواجس وأفكار استخلصها الباحث وتناولها في الندوة. وبشكل خاص قدّم، ومن خلال العودة إلى أحداث هبّة الكرامة (أيار 2021)، تحليلًا لواقع الاستكانة التي يعيشها فلسطينيّو الـ 48 في ظلّ حرب الإبادة الجماعيّة التي تعيشها غزّة.
افتتحت الندوة د. عرين هواري، المديرة العامّة في مركز الأبحاث التطبيقيّة – مدى الكرمل مُرحبةً بالجمهور الحاضر، ومقدمة قراءة أكاديميّة للكتاب ليس من باب النظريّة فحسب، بل تطرقت كذلك إلى اهمية انحياز الباحث إلى السؤال الأخلاقي وفي الوقت ذاته إلى موضوعيّة المنهج والبحث. ومن ثمّ عرض الباحث عنبتاوي الدراسة، أهمّ الأسباب التي أدت إلى اندلاعها، المعطيات الأبرز فيها وتحليلها، والاستنتاجات حول مآلاتها وما كشفته للشعب الفلسطيني على المستوى الاجتماعيّ والتنظيميّ السياسيّ. كما وشملت مداخلة الباحث قراءة للواقع السوسيولوجيّ أيضًا للمجتمع الإسرائيليّ والتغيّرات الحاصلة فيه، والذي تجسد بتعميق البعد الاستعماري والديني للصهيونية في إسرائيل بالتوازي مع الانعطاف نحو النيوليبرالية نتج عنه اجتماعهما تكثيف سياسات وتقنيات الترهيب مع الأخرى المتعلقة بالاحتواء الاقتصادي. وقدّم أيضًا صورة وتحليلا للأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة لمعتقلي هبّة الكرامة بشكلٍ خاص، ولأبعاد التحوّلات الاقتصاديّة على المجتمع الفلسطينيّ في الداخل عامّةً.
واستضافت الندوة في جزئها الثاني، المحاميّة والفاعلة في المُناصرة الدوليّة، سهير أسعد، والتي خلال الهبّة تطوعت في تمثيل المعتقلين وتوثيق الانتهاكات الإسرائيليّة ضمن مجموعة "حقوقيات للدفاع عن معتقلي الانتفاضة"، كما وساهمت في إنشاء "صندوق الكرامة والأمل" الذي احتضنه جمعيّة بلدنا. إضافةً مُركّزة ائتلاف "نساء ضد السلاح"، فداء شحادة، والتي شغلت خلال الهبّة عضو بلديّ في اللد، وُمنظّمة لمجموعات ولجان الدفاع عن الأحياء في المدينة. واستضافت أيضًا الناشطة الحقوقيّة في مجال العدالة الجنائيّة، ناريمان شحادة زعبي، وهي محاميّة في وحدة الحقوق السياسية المدنيّة في مركز عدالة، وباحثة في الخطاب السياسيّ في لوائح الاتهام التي قدمت على خلفيّة الهبّة.
في تعقيبها تناولت أسعد مشاهد التكافل الاجتماعيّ ومستويات جديدة كشفها لنا المشهد الاقتصاديّ الاجتماعيّ فيما يتعلق بالهبّة. حيث أكدت خلال مداخلتها أنّ مسار الاحتواء الإسرائيليّ انتقل إلى محاولة اندماج وبالتالي إقصاء كل ما هو لا يحاكي تطلعات المصالح الاقتصاديّة الإسرائيليّة. وذكرت خلال تعقيبها "ما كشفته لنا هذه الدراسة هو ما أكدت ملاحظاتنا حول جغرافية هبة الكرامة، فالنصيب الأكبر من الانتفاض كان في النقب والمدن المختلطة.
وتطرقت شحادة خلال مداخلتها الى أحداث مدينة اللد، التي شهدت أشرس حملات القمع خلال الهبّة وخسارة أحد شبابها، الشهيد موسى حسّونة، على أيدي المستوطنين، حيث تحدّثت عن التحوّلات التي شهدتها المدينة عقب حملات استيطان اليمين الدينيّ لها، والتي أثرت فيهم على صعيد انتمائهم إلى الحيّز العامّ ورؤيتهم لمكانتهم في البلدة. كما وأشارت إلى أنّ احد مشاهد الهبّة المُباشرة على الأهالي هو مظهر التكافل والاحتضان لبعضهم بعضًا في ظلّ ما تقوم به المُؤسّسة الشُرطيّة الاسرائيليّة بمساندة الفاشيّين. وفي المحور الثالث تحدّثت عن واقع المدينة بعد الهبّة والتضييقات التي يتعرضون لها على كافة الأصعدة الاجتماعيّة والمُؤسّساتيّة.
أمّا مداخلة شحادة زعبي فتطرقت إلى شقيّن، الأول هو قراءة للخطاب السياسيّ للوائح الاتهام التي قُدّمت ضد معتقلي الهبّة، والثاني هو قراءة للأحكام التي فُرضت على مُعتقلي الداخل بعد بدء عمليّة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر من العام المُنصرم. حيث أشارت المُحاميّة أنّ طبيعة الأحكام التي فُرضت على معتقلي الهبّة هي أحكام سياسيّة بالمقام الأول، الأمر الذي تُثبته قراءة الأحكام المكتوبة في المحكمة، والتي استشهدت بها خلال دراستها. وأدّعت أن داخل دولة اسرائيل هُنالك نظامين قضائيين يعملان بالتوازي حسب الهويّة الإثنيّة للمعتقل والأمر الذي يتجلى بالتفاوت بين الأحكام. كما وتطرقت أيضًا خلال حديثها الى كون أحكام ما بعد السابع من أكتوبر لمعتقلي الداخل هي مُربوطة ارتباطًا كاملًا مع ما حدث خلال هبّة الكرامة، حيث شهدت هذه الأحكام اعتقالات بتهم التحريض، الأمر الذي يُعتبر سوابق قضائيّة وانتقام مُباشر من قبل الرافضين للحرب والإبادة الجماعيّة في قطاع غّزة.
جدير بالذكر، بأنه قد أُشرف على تيسير الحواريّة معتصم زيدان مركز الإعلام والعلاقات العامّة في جمعيّة الثقافة العربيّة. وأيضًا أشرف على ختام الندوة التي شملت فتح باب الأسئلة أمام الجمهور والحضور في الندوة لجموع المُتحدّثين والمتحدّثات عامّةً والباحث خالد عنبتاوي بشكلٍ خاص.