في الوقت الذي تنضب فيه موارد التمويل للمؤسسات والمشاريع الثقافيّة، وخصوصًا لأولئك المعنيّين منّا بصون حريتهم الفكريّة والفنيّة، ويزداد الوعي بأهمية تنويع مصادر الدعم للمؤسّسات، وكذلك التخطيط الاقتصاديّ والمالي الناجع لمشاريع الأفراد والفرق والمجموعات المستقلة لضمان الاستدامة، بأهمية الابتكار والتفكير الخلّاق، تتخذّ "المبادرة" كنهج وروح وتوجّه موقعًا مركزيًا لها في الحركة الثقافيّة.
المسألة تتخذّ في سياقنا ضرورة أشدّ، ففي حين يكون التمويل الحكوميّ من وزارة الثّقافة والصناديق التابعة لها، عمومًا، مصدرًا أساسيًا لتمويل ودعم المؤسّسات الثّقافيّة، تسعى وزارة الثّقافة الإسرائيليّة بشكل علنيّ لمنع تمويل أية مؤسّسة تراها تمسّ "بيهودية الدولة" وتحيي "النكبة" وتحرّض على "العنف والإرهاب" وتمسّ "برموز الدولة" وتدعو لمقاطعة إسرائيل. وفي حين رفضنا في جمعيّة الثّقافة العربيّة منذ تأسيسنا في العام 1998 الحصول على دعم إسرائيليّ للحفاظ على استقلاليتنا الفكريّة، ولإدراكنا أنّ هذه الميزانيات تستغل للسيطرة على المؤسّسات وضبطها، إلا أنّنا نرى أنّ منع الميزانيات عن المؤسّسات وحرمانها من حقها في التمويل، وهي مؤسسات لمواطنين دافعي ضرائب، بسبب رؤيتها السياسيّة المغايرة للأكثريّة الصهيونيّة، أو حتى لإنتاجها الإبداعيّ الحرّ القابل لتأويلات عديدة، هو مسّ خطير بالحقوق الثقافيّة.
هناك حاجة ماسّة لتطوير أفكار وحلول مبدعة لضمان حصول المؤسسات والمبدعين العرب الفلسطينيّين بالداخل على حصتهم في الدعم الحكوميّ، ضمن حقنا في إدارة شؤوننا الثقافيّة بشكل مستقل، لكن هذه مسألة تحتاج إلى نشوء ظروف سياسيّة مواتيّة، وعمل جماعيّ منهجيّ على المدى البعيد.
في المقابل، لا يمكن إرجاء الأفكار والأحلام والإلهامات الإبداعيّة، وبغض النظر عن خصوصية الظروف، لا يمكن الاستمرار من منطلق أنّ هناك من هو "مجبور فينا". علينا أن نعتمد على أنفسنا، على عقلنا، على إبداعنا، على مهاراتنا، على مهنيتنا، على الاستفادة من تجارب الآخرين، على المعرفة، على قدرتنا على التعلّم، على الإقدام، على جدوى التعاون، على جمهورنا، على كلّ ما هو بنّاء. على قوتنا كجماعة مبادرين مبدعين.
المسألة ليست فكرة مجرّدة، ولا هي اختراع جديد، هناك لا نهاية من النماذج المجرّبة في العالم، وهي توجّه مهنيّ يستقي معارفه، بالإضافة إلى التخصصات الفنيّة الإبداعيّة ذات الصلة، من مجالات إدارة الأعمال والاقتصاد والتسويق والإعلام.
المبادرة مقاومة لليأس والتبعية. المبادرة تحرّر.