عبّر المشاركون والمشاركات في اللقاء التربويّ التعليميّ، الذي نظّمته جمعيّة الثّقافة العربيّة بالتعاون مع المجلس المحليّ في كفر ياسيف، يوم الأربعاء الماضي في المركز الثقافيّ في القرية، عن قلقهم الشديد من الأزمة التعليميّة العميقة الناتجة عن الأخطاء اللّغويّة والمضامين المشوّهة في كتب التدريس المقرّة للمدارس العربيّة، كونها تمسّ بشكلٍ مباشر هويّة الطفل، وتمكّنه من لغته القوميّة، ممّا يفضي إلى تأثيرها السلبيّ على بناء شخصيّة ووعي الإنسان وعلى تحصيله العلميّ، ومن جهة أخرى قدّم المشاركون العديد من المقترحات العمليّة لتجاوز هذه الأزمة.
ويأتي هذا اللّقاء ضمن الأنشطة الجماهيريّة التي تقوم بها جمعيّة الثّقافة العربيّة والتي كشفت خلال مؤتمر"المناهج والهويّة" الذي نظّمته في السادس من أيّار الماضي، في فندق "بلازا" في مدينة الناصرة، عن معطيات خطيرة حول الأخطاء اللّغويّة والإشكاليّات المضامينيّة الجوهريّة في كتب التدريس المقرّة من وزارة المعارف الإسرائيليّة للصفوف من الثالث إلى الثامن، حيث أظهر البحث عن وجود أكثر من 16000 خطأ لغويّ، وعن منهجيّة واضحة لتشويه الهويّة الوطنيّة والثقافيّة- الحضاريّة للطالب العربيّ من خلال ارتكاز مناهج التاريخ والموطن والجغرافية وحتى كتب اللّغتين العبريّة والإنجليزيّة على التاريخ اليهوديّ والتوراتيّ والرواية الصهيونيّة الرسميّة، وإنكارها التامّ لوجود الشعب الفلسطينيّ، واحتوائها على وجهة نظرٍ استشراقيّة تحطّ من مكانة الحضارة العربيّة.
بدأ اللقاء، الذي تولى عرافته وإدارته الأستاذ إياد برغوثي، منسّق المشاريع في جمعيّة الثّقافة العربيّة، بمداخلة قصيرة حول الجمعيّة ومشاريعها وحول مشروع "المناهج والهويّة" وأهدافه، ثمّ ألقى السيد عوني توما، رئيس المجلس المحليّ في كفر ياسيف، كلمة ترحيب بالجمهور والمشاركين مشدّدًا على أهمية الحفاظ على اللّغة العربيّة كمكوّن أساسيّ للهويّة، وعلى ضرورة دعم المجالس المحليّة للأنشطة الثّقافيّة والتربويّة. ويذكر أنّ المجلس المحليّ في كفر ياسيف كان المجلس العربيّ الأول الذي تبنّى مقترح جمعيّة الثّقافة العربيّة بإقرار قانونٍ مساعد لتثبيت اللّغة العربيّة على لافتات المحالّ والمؤسّسات في البلدة.
ثمّ كانت المداخلة التي قدّمها د. إلياس عطا الله، الذي قام خلال مشروع "المناهج والهويّة" بمراجعة ورصد الأخطاء اللّغويّة في الكتب التدريسيّة، وتحدّث في البداية عن اللّغة ودورها في بناء الجماعة القوميّة، وعن الفكر الصّهيونيّ المنبني على ركائز وسياسات تنزع عن الأغيار الاهتمام بكينونتهم الجمعيّة، وذلك عن طريق تهميش كلّ من وما ليس من اليهود، ولغة الأغيارِ من الأغيار، ولذا تُدرج في الأعداء، ويمارسُ تشويهها. وتطرّق د. عطا الله إلى منهج التشويه اللّغوي في كتب التدريس التي تتكرّر فيها الأخطاء ذاتها مئات المرّات، مشيرًا إلى أنّ القضيّة لا تنحصر في موضوعة الهمزة الأولى فحسب، على أهميّتها، مقدّمًا للجمهور المعطيات التي كشف البحث عنها، من كمّ الأخطاء في الكتب، وتصنيفها بحسب علوم العربيّة؛ في النحو والصرف والإملاء والدّلالة والترقيم والضوابط، بالإضافة إلى الأخطاء المطبعيّة، موردًا عيّنةً من الأخطاء وتصويبها من كلّ علمٍ وعلمٍ. وقال د. عطا الله إنّ الكتب العبريّة والإنجليزية- كما أفاد الباحثون الذين راجعوها- خالية من الأخطاء في اللغتين المذكورتين، وإنّ مؤلفي الكتب في المواضيع التعليميّة المختلفة هم من المختصّين فيها، وتساءل "لماذا يؤلّف كتب تدريس العربيّة مؤلفون غير مختصّين في اللّغة؟ وإن كان ذوو الاختصاصات الأخرى يحملون وجهة نظر أو طرائق حديثة تعود بالفائدة على الأطفال العرب في موضوعة العربيّة، فأهلا بهم وبمصنّفاتهم جميعًا، شريطة أن تعطى لمن يحرّر كتبهم لغويّا"، كما أشار إلى أنّ الوزارة تتحمّل المسؤوليّة كاملة، ولأنّ ممارسة الإسقاط على الآخرين لا تكفي، كان حريّا بالقائمين على الكتب تأليفًا وتدقيقًا أن يعنوا بما يقدّمون لأطفالنا، وحيث إنّهم ما فعلوا- ولا نتّهم أحدًا بتعمّد هذا-، فهم يتحمّلون مسؤوليّة الوضع القائم أيضًا.
ثمّ تحدّث الأستاذ نبيل الصالح، الذي قام ضمن المشروع بفحص ومراجعة الكتب في موضوعي الموطن والجغرافيا، وقال إنّ هذه الكتب تشمل نهج اجتزاء المعلومات، وتفادي تناول ملابسات التطوّر التاريخيّ للكثير من مركّبات الواقع، معتبرًا أنّ إخفاء المعلومات عن تغيّر المشهدين الديموغرافيّ والجغرافيّ، على الأقلّ، تشويهٌ للحقيقة الموضوعيّة. وأشار الصالح إلى أنّ الكتب تحاول إقناع الطالب بأنّ انتماءاته الأكثر أهمّيّةً هي انتماء المواطنة (إسرائيليّ) ثم الانتماء الجهويّ إلى منطقة بعينها (جليل، نقب، الخ...)، ثمّ الانتماء المحلّيّ إلى بلدة ما، ولم يُذكر الانتماء القوميّ أو الإثنيّ أبدًا. وأوضح الصالح أنّ ثمّة محاولة واضحة لتكريس المقولة الصهيونيّة التي تدّعي أنّ فلسطين كانت أرضًا بدون شعب.
وعقّب على المداخلات ثلاثة من مديري المدارس الذين شاركوا في اللقاء( يمثّلون مراحل التعليم الثلاث؛ الابتدائيّة والإعداديّة، والثّانويّة)، حيث تحدّثت المربيّة المديرة سهيلة خطيب عن أهمية الاستثمار في المعلمين وتمكينهم وتعزيز دورهم القياديّ التربويّ وتحمّل المسؤولية، وضرورة وجود رؤية تربويّة ترتكز إلى الهويّة. كما تحدّث الأستاذ المدير وفيد منصور حول أهمية وجود خطة مهنيّة للخروج من هذه الأزمة وركّز هو أيضًا على مركزيّة دور المعلّمين في العمليّة التربويّة وإمكانيّة تنويعهم للمضامين التربويّة التي يدرّسونها، وعدم الاكتفاء بالمضامين التي توجد في الكتب. وفي كلمته قال الأستاذ والمدير عناد صالح إنّ الطلاب يصلون إلى المرحلة الثانوية دون أن يكونوا متمكّنين من اللّغة العربيّة وهذا يسبّب أزمة تعليميّة فعليّة. وشكر المديرون الثلاثة جمعيّة الثّقافة العربيّة على إجرائها لهذا البحث العلميّ الهامّ.
وبعد التعقيبات، شارك الجمهور في طرح آرائهم حول البحث، حيث تحدّث العديد من الأهالي والمعلمين الحاضرين حول ضرورة العمل دونما إرجاء من أجل تغيير الوضع القائم الذي سيؤدّي استمراره إلى تعميق الأزمة، وضرورة تحمّل الجميع لمسؤوليّاته؛ من اللجنة القطريّة للسلطات المحلّيّة بكونها جسمًا تمثيليّا شاملا، والسلطات المحليّة، إلى لجان أولياء الأمور، وهيئات التدريس، والوالدين، ومديري المدارس.