في أمسية لذكراه جمعت أهله ومثقفين ومهتمين، جلّهم من الشباب، نظّمتها جمعيّة الثّقافة العربيّة مساء الجمعة 21/06/2013 في مسرح الميدان بمدينة حيفا، حاز المؤرّخ والمناضل الوطنيّ الراحل د. إلياس شوفاني (1932-2013) على ما يستحق من اهتمام بتجربته وكتاباته البحثيّة وفكره ودوره في الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة.
بدأت الأمسية، التي تنظّمها الجمعيّة ضمن مشروع "عقولٌ حاضرة على غيابها"، بمقطع فيديو يجمع بتوليف فنيّ مقاطع من الفيلم الذي تعدّه الفنانة هند شوفاني، ابنة الراحل، عن أبيها، لتسرد من خلال الصور والمشاهد القصيرة والمتسارعة محطات حياته وعلاقتها به كأبٍ ثائر.
جوني منصور: لقد آمن بأن النضال دون معرفة لا قيمة له
افتتح الأمسية المؤرّخ د. جوني منصور، عضو الهيئة الإداريّة لجمعيّة الثّقافة العربيّة، وقال في كلمته: "لقد رحل عربيًا فلسطينيًا معتزًا بعروبته وفلسطينيته، بعيدًا عن وطنه الأول فلسطين وفي وطنه الثاني سوريا الحبيبة، رحل بالجسد لكن فكره وكلمته وطروحاته باقية، رحل المؤرّخ إلا أنّ كتابات إلياس شوفاني حول تاريخ العرب والإسلام وفلسطين والقضية الفلسطينيّة دليل قاطع على سعة معرفته وإدراكه لضرورة بناء قاعدة معرفيّة لتاريخ الفلسطينيّين. آمن إلياس شوفاني أنّ النضال دون معرفة لا قيمة له. عاش متواضعًا وقنوعًا لأنّه آمن بصدق الطريق الذي سار فيه، لم يستسلم لأي جهة، بقي أمينا على ما آمن به حتى الرمق الأخير".
حنا شوفاني: لم نره منذ العام 1968 إلا مرة واحدة
ثمّ ألقت السيّدة نيتسا شوفاني، ابنة شقيق الراحل، كلمة العائلة التي كتبها أبوها السيّد حنا شوفاني، وتحدّث فيها عن طفولة إلياس وأجواء الحياة العائليّة في البيت، وعن التهجير في عام 1948 وتدمير بيت العائلة في معليا، وروى في كلمته تفاصيل دقيقة عن عملية الطرد من القرية ومسار العودة إليها تسللا من لبنان. كما تحدّث عن عمل إلياس معلمًا في معليا وقراره دراسة تاريخ الإسلام بالجامعة العبريّة بالقدس ومن بعدها إلى الولايات المتحدة حيث نال الدكتوراه متخصّصًا بحروب الردّة، وقد زار قريته معليا مرتين الأولى عام 1965 والثانية عام 1968، وقد صرّح حينها لوالده فقط أنّه انضم إلى منظمة التحرير الفلسطينيّة ولم يعد بعدها للقرية، "لم نعد نسمع عنه إلا القليل القليل، ولم نلتقِ به إلا مرة واحدة في عمّان عندما توفيت زوجته في العام 1997"
د. شكري العبد يشرح الفلسفة السياسيّة لشوفاني
وقدّم د. شكري العبد، أستاذ الفلسفة بجامعة القدس، مداخلة حول الفلسفة السياسيّة لد. إلياس شوفاني، قال فيها إن فلسفة د. إلياس شوفاني السياسيّة تتمركز حول القضية الفلسطينيّة، هو متخصّص بها بالتحديد وكلّ كتاباته تتركّز بها. وهو يعرض، من خلال كتبه، تصورًا كاملاً حول نشوء القضية الفلسطينيّة، والصراع الدائر حولها والحلول التي قد تنهي هذا الصراع، وقد بني هذا التصور على عدة فرضيات؛ الفرضية الأساسيّة: "هناك قاعدة مضادة لحركة التحرّر العربيّة، أقيمت في قلب الوطن العربيّ لتعرقل تقدّم شعوبه نحو التحرّر"، وهو يطلق على هذه القاعدة عدة مسميات: "الاستيطان الصهيونيّ"، "الثكنة"، "التجمع الاستيطانيّ"، "الكيان".
وقال العبد إن شوفاني آمن أنّ هذا الكيان الذي أقيم لعرقلة تحرّر ووحدة الشعوب العربيّة يجب عليه لكي يحقّق ذاته، أي أن يقوم بالوظيفة الموكلة إليه، تغييب الشعب الفلسطينيّ أو استبعاده، ومن هنا نتج الصراع. وأضاف أنّ الدور الوظيفيّ للكيان يؤدي إلى تناقض جوهريّ بينه وبين الأمة العربيّة، والشعب الفلسطينيّ خاصة لأنّه الضحية الأساسيّة مع أنّ كلّ شعوب المنطقة مستهدفة.
وتحدّث العبد أيضًا عن فهم شوفاني لإخفاق الثورة الفلسطينيّة، حيث رأى أن أساس الفشل النضاليّ هو تبني البرامج المرحليّة التي طرحتها القيادة الفلسطينيّة، والتي اختلف معها شوفاني، واعتبرها تراجعًا عن الثورة وتجسيدًا لوعي زائف حول طبيعة المشروع الصهيونيّ أو مغزى النضال الوطنيّ، فواجهها وانشق عن حركة "فتح" وعارض لاحقًا بشدّة لاتفاقية أوسلو.
عن منهجه البحثيّ التاريخيّ: علميّ، تحليليّ، مستقل الصياغة ونقديّ
واستعرض د. جوني منصور أربع كتب للراحل، مقدّمًا ملخصًا عن كل واحدٍ منها وملاحظات حول أسلوبيته وإضافته للبحث التاريخيّ عن القضية الفلسطينيّة، وشخّص د. منصور ستة مميزات لمنهج البحث التاريخيّ عند د. إلياس شوفاني:
شكري عرّاف: بوصلته كانت المقاومة
الكلمة الأخيرة في الأمسية كانت مع الباحث د. شكري عرّاف، زميل الراحل في شبابه، والذي ركّز مداخلته حول بوصلة د. إلياس شوفاني وجذور تشكّل نهجه، وقال إنّ بوصلة الراحل هي المقاومة، وقد نشأ على المقاومة منذ صغره حيث كبر في بيت ثوري وذي حسٍ وطنيّ بامتياز، فقد لعبت عائلته دورًا في الثورة الفلسطينيّة عام 1936 وكان أبوه من القيادات البارزة في الجليل. لقد اختار خطّ المقاومة دومًا، رفض التدريس في الجامعات وانضم للفصائل المقاومة، واختاره بعد خروج المنظمة من لبنان ورفض أوسلو، لقد كان مقاومًا إلياس كما كان الجليل مقاومًا.