استضافت جمعيّة الثّقافة العربيّة الاثنين الماضي، 10-08-2009، الدّكتور خالد الحروب، الأستاذ في جامعة كامبريدج ومقدّم برنامج " خير جليس في الزّمان " على قناة الجزيرة، حيث قدّم محاضرة تناولت " صورة الفلسطيني في الإعلام الغربيّ ".
حضر المحاضرة التي أقيمت في مقرّ الجمعيّة بمدينة النّاصرة، العشرات من المهتمين والكتّاب والإعلاميين وأعضاء الجمعيّة، حيث افتتحت مديرة الجمعيّة، الدّكتورة روضة عطالله، المحاضرة مرحّبة بالحضور وبالمحاضر الضّيف، مسلّطة الضّوء على أهمّ المحطّات في سيرته العلميّة والبحثيّة.
ثمّ جاءت بعد ذلك محاضرة د. الحروب معزّزة بدراسات وإحصائيّات مختلفة، تناولت باستفاضة وبموضوعيّة صورة الفلسطينيّ ومكان القضيّة الفلسطينيّة في الإعلام الغربيّ وعلى خارطة الرأي العالم العالميّ. من أهمّ ما جاء في المحاضرة:
1. قدّم د. الحروب لمحاضرته بملاحظات حذّر فيها من مغبّة التّعميم لدى الحديث عن إعلام غربيّ وإعلام عربيّ تجاه القضايا العالميّة والعربيّة، فهناك تنوّع إعلاميّ كبير في هده الأيّام، يتراوح في تناوله للقضيّة الفلسطينيّة ما بين إعلام غربيّ يمينيّ وما بين إعلام مؤيّد متعاطف موضوعيّ، وبينهما يقع إعلام وسطيّ لا يمكن تحديد موقعه تماما. وأشار كذلك إلى أنّه ما من مقدرة موضوعيّة على انتزاع صورة الفلسطينيّ من صورة العربيّ العامّة في إطار الحديث عن الإعلام الغربي، إذ أنّ الأولى جزء عضويّ من الثّانية.
2. يتابع الحروب مسيرة تطوّر وتحوّل صورة الفلسطيني في الإعلام الغربيّ مصنّفا إيّاها في محطّات، هي:
أ- مرحلة هزيمة 1967 وما تلاها: وهي مرحلةٌ يتراءى فيها الفلسطينيّ (والعربيّ) في الإعلام الغربيّ بائسا منكسرا، يقابله إسرائيليّ منتصر ظافر.
ب- مرحلة السّبعينيّات والثّمانينيّات حتّى الانتفاضة الأولى: وهي مرحلة مارس فيها الإعلام الغربيّ دور المنحاز لصالح إسرائيل واللاّ مبالي بالقضيّة الفلسطينيّة وقضايا العرب.
ت- مرحلة الانتفاضة الأولى 1987 وحتّى أوسلو: أظهر الإعلام الغربيّ في هده المرحلة فلسطينيّا ثائرا مقاوما منتفضا في وجه الاحتلال، صاحب حقّ مشروع وقضيّة عادلة، ساعدت على خلق تلك الصّورة وسائل المقاومة البسيطة غير النّاريّة.
ث- مرحلة أوسلو 1994 وما تلاه: اختلطت الصّورة هنا لدى الغربيّ ما بين فلسطينيّ صاحب حقّ ومضطّهد ومحتلّ، وما بين فلسطينيّ حقّق كيانا وصارت له دولة وسلطة وحكومة وقوّات أمنيّة. إذ أنّ ظهور السّلطة الفلسطينيّة فجأة بمظاهر تعكس سيادة فلسطينيّة دبلوماسيّة وأمنيّة، أمر أدى إلى بلبلة الرّأي العام الغربيّ وإلى تشويه صورة الواقع.
ج- مرحلة ما بعد فوز حماس 2006: تعمّقت في هذه المرحلة الحيرة والبلبلة لدى الغربيّ وفي وسائل إعلامه حول القضيّة الفلسطينيّة أكثر وأكثر، فهناك انقسام، وبوق إعلاميّ اسرائيليّ يخوّف ويحذّر من غزّة – ستان، الأمر الّذي أدى إلى تراجع الصّوت المؤيّد للفلسطينيّ في الإعلام الغربيّ وتقدّم الصّوت المحرّض، فجاءا حصار غزّة والحرب العدوانيّة عليها لتحضر القضيّة الفلسطينيّة في الإعلام الغربيّ بقوّة أكبر وبانحياز أكبر لصالح الفلسطينيّ البريئ الذي يذبح.
3. واستعرض د. الحروب قائمة طويلة لأهمّ المزاعم الاعلاميّة الاسرائيليّة الّتي تمّ ضخّها، ولا يزال، في فضاءات الاعلام الغربيّ لتصبح مشكّلا رئيسا من مشكّلات الرأي العام الغربيّ حول القضيّة الفلسطينيّة، وهي كالآتي ( كما يلخّصها مرصد الإعلام العربيّ في لندن Arab Media Watch ):
حماس تسعى لتدمير إسرائيل؛ رفض عرفات عرض باراك السّخيّ في كامب ديفيد؛ عرفات يرفض إدانة عمليات التفجير الانتحاريّة باللغة العربيّة؛ عرفات أشعل الانتفاضة أموال المنح الأوروبيّة تموّل الإرهاب الفلسطيني؛ خمسة جيوش عربية حاولت إبادة إسرائيل عام 1948؛ إسرائيل تحارب من أجل وجودها؛ لا ينبغي على إسرائيل الانسحاب من الأراضي العربيّة المحتلّة كاملة؛ إسرائيل هي الدّولة الدّيموقراطيّة الوحيدة في الشّرق الأوسط؛ على عكس الإعلام الفلسطيني: هناك حرّيّة إعلام في إسرائيل؛ القوّات الاسرائيليّة لا تستهدف المدنيّين؛ القدس عاصمة إسرائيل، المراكز السّكنيّة الاسرائيليّة المركزيّة في الضّفة الغربيّة قانونيّة، فلسطين هي الأردن، الصواريخ الفلسطينية تشكل تهديدا خطيرا للمدنيين الاسرائيليين، الوسائل التي أدت إلى ما حدث في الحادي عشر من أيلول الدّامي ابتكرها الفلسطينيّون، العرب هم من بدأوا حرب 1967، معهد أبحاث الشرق الأوسط الإعلامي (M.E.M.R.I) موضوعيّ ومستقلّ، المناطق الفلسطينيّة عام 1967 لم تحتلّ وإنّما متنازع عليها، الولايات المتّحدة وسيط صادق.
4. وبيّن د. الحروب العوامل المشكّلة لصورة الفلسطينيّ في الإعلام الغربيّ، وهي وفق ما يراها:
أوّلا: العوامل الموضوعيّة:
أ. إرث التاريخ الصّراعيّ الكبير بين الغرب والأمّة العربيّة، وتظهر جليّة في الحروب الصّليبيّة، فالاستعمار الحديث، فالتّأزمات الحاليّة ما بين الطّرفين.
ب. أثر الاستشراق الكلاسيكي: فقد ساهم الاستشراق الكلاسيكيّ بتكريس صورة نمطية عن العربيّ، تجعل الغربيّ لا يتصوّر العربيّ إلا كسولا، وغنيا لا يستحقّ غناه، عاطفيّا غير عقلانيّ، العنيف والجاهل والبدائيّ، وهي سمات يظنّها الغربيّ في العربيّ جوهريّة غير قابلة للتّغير السيسيولوجي، يتوارثها بيولوجيا.
ت. النشاط الاعلامي الاسرائيلي، أو المؤيد له بقوّة: فما يبثّ من الجهات الاسرائيلية والقوى المناصرة لها عن العرب والفلسطينيين يؤثر كثيرا في رسم صورة لهم في الذهنية الأوروبية.
وقد استعان د. الحروب بنماذج من كتاب REEL BAD ARABS لجاك شاهين، والذي يرصد صاحبه فيه صورة العربي في أفلام هوليوود كلها منذ بدايات القرن العشرين وحتى عام 1999، وهي تظهر بأبشع تصوير.
ثانيًا: العوامل الذّاتيّة:
أ. عجز الجانب العربي والفلسطيني عن مخاطبة الإعلام الغربي بالوسائل الصّحيحة.
ب. انعدام الإرادة السياسية الرسمية العربية، وانعدام الإمكانيات العربية النخبوية.
ت. فلسطينيا: عدم نقل جوهر العنصرية الاسرائيليّة إلى العالم بدقّة وموضوعيّة.
ث. فلسطينيا: سوء الأداء الإعلامي وتناقض أدوات ومضامين الخطاب مع ثقافة المخاطب؛ فعرض صورة طفل فلسطينيّ يرتدي حزاما ناسفا في إحدى المظاهرات يسمح لمناصري إسرائيل بإشغال الرأي العام الغربي بها، فيتم التغاضي بذلك عن جوهر القضايا المؤلمة التي يعيشها الفلسطيني يوميا.
ج. عدم أهلية الناطقين الرسميين باسم الجهات الفلسطينية المختلفة، إضافة إلى ضعفهم المهنيّ التّخصصيّ.
وطرح د. الحروب بعد ذلك خلاصات أولية حول ما ورد في محاضرته، وهي كالآتي:
أ. رغم كل ما يمكن أن يشهد من معيقات وأن يلحظ من عيوب وإخفاقات، فإنه يلاحظ ازدياد الوعي بالقضية الفلسطينية شيئا فشيئا، وأن الحضور الفلسطينيّ في أجندة الإعلام الغربيّ يتطوّر بمنحى إيجابي ليصير أكثف وأعمق.
ب. المعلومة لم تعد حكرا على أحد ولا يمكن التحكم بها أبدا في أيامنا هذه، فهي في ظل الإعلام المعولم ملك للجميع، تصل إلى الجميع وبكل الوسائل المتاحة، فما حدث في إيران مؤخرا، وما كان في حرب غزة، ورغم التقييدات الاعلامية الشديدة في الحالتين، يعتبر مثالا واضحا على كون عولمة الإعلام غدت تسمح برصد ونشر أدق التفاصيل عن أي شيئ في العالم.
ت. إسرائيل لا يمكنها في ظل تطور الوعي بالقضية الفلسطينية وفرض حضورها شيئا فشيئا في الإعلام الغربي، لا يمكنها أن تتغول في وحشيتها ضد الفلسطينيين كما في السابق.
ث. من أخطر الأمور والتي يجب أن تحارب بقوة، عملية مساواة رواية المحتل برواية الشعب تحت الاحتلال، إذ ليس هناك روايتان للاحتلال ممكنتان، بل رواية واحدة.
أما ختام المحاضرة فكان استعراضا لأهمّ النتائج التي خلصت إليها دراسة الباحث شريف حكمت النشاشيبي: " تغطية الـبي.بي.سي والجزيرة للصراع الاسرائيليّ – الفلسطينيّ "، والتي رصدت خلال أربعة شهور مقالات وتقارير تغطي الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني من الجزيرة والبي.بي.سي الناطقتين بالانجليزية، من تاريخ 1.02.2009 وحتى الـ 31.05.2009، وقد خلصت الدراسة إلى النتائج التالية:
- بينما تضمنت مقالات البي.بي.سي كلها مصادر إسرائيلية، فإن 35% منها لم يتضمن أي مصدر فلسطيني.
- بينما تضمنت مقالات الجزيرة كلها مصادر إسرائيلية، فإن 11% منها لم يتضمن أي مصدر فلسطيني.
- 82% من مقالات البي.بي.سي التي تضمنت كلا المصدرين كرست كلمات أكثر للمصادر الاسرائيلية.
- 69% من مقالات الجزيرة التي تضمنت كلا المصدرين كرست كلمات أكثر للمصادر الاسرائيلية.
- المقالات التي تضمنت المصدرين، الاسرائيلي والفلسطيني، هي لدى البي.بي.سي والجزيرة في غالبيتها مأخودة من مصادر اسرائيلية: 59% بي.بي.سي، و 53% الجزيرة.
- المقالات التي احتوت كلمات أكثر لصالح المصادر الاسرائيلية، كان متوسط زيادة كلمات المصادر الاسرئيلية عن المصادر الفلسطينية لكل مقالة منها: 3.3 في البي.بي.سي، و3.4 في الجزيرة.
- المقالات التي احتوت كلمات أكثر لصالح المصادر الفلسطينية، كان متوسط الزيادة فيها عن المصادر الاسرائيلية لدى المذيعين من الطرفين 1.8 مرة.
- المذيعون من الطرفين استخدموا كلمات صورت أن العنف الاسرائيلي هو رد فعل مباشر على عنف فلسطيني: قامت البي.بي.سي بذلك ستّ مرات، والجزيرة ثلاث مرات، ولم يصور العنف الفلسطيني مطلقا، من الطرفين كليهما، على أنه رد فعل مباشر على عنف اسرائيلي.
- أظهرتا البي.بي.سي والجزيرة بشكل كبير العنف الاسرائيلي على أنه أمر لاحق لعنف فلسطيني: البي.بي.سي 10 مرات، والجزيرة 7 مرات. وفقط مرة واحدة قامت البي.بي.سي بإظهار العنف الفلسطيني لاحقا لعنف اسرائيلي.
- غياب المصادر ووجهات النظر الفلسطينية وسيطرة تلك التي من الجانب الاسرائيلي، يتعارض مع ما يظهر في الافتتاحيات التحريرية لدى مذيعي كلا الطرفين.
هذا وفتح بعد المحاضرة باب السؤال والنقاش، فعلق وأجاب د. خالد الحروب، ثم شكر في الختام جمعية الثقافة العربية لاستضافته والحاضرين لحسن التواجد والاستماع.