نظّمت جمعيّة الثّقافة العربيّة أمس الأربعاء، الخامس من آب الجاري، ندوة بعنوان "أصواتنا المفقودة"، حول النهضة الموسيقيّة العربيّة في فلسطين، والتي قدّمها الباحث نادر جلال؛ مدير "نوى – المؤسّسة الفلسطينيّة للتمنية الثّقافيّة".
بدأت الندوة بعرض سمعيّ وبصريّ، قُسم إلى ثلاثة أجزاء، تطرق الأول إلى المشهد الموسيقيّ في فلسطين من 1904 ولغاية 1936، ومن ثم في الفترة الواقعة ما بين 1936 ولغاية 1948 وأخيرًا الفترة ما بعد النكبة، والتي جميعها كانت تأكيدًا أنّ فلسطين كانت جسرًا ثقافيًا ما بين الشام ومصر، ومع الوقت أصبحت مسارح فلسطين وستوديوهاتها بمثابة المزار الأهمّ لكبار المغنّين والمغنّيات والموسيقيّين العرب لتسجيل إسطواناتهم وتقدّيم عروضهم الحيّة على مسارح حيفا ويافا والقدس، المدن الأهمّ موسيقيًا في تلك الفترة.
تمحور العرض أيضًا حول الاستماع إلى تسجيلات لموسيقى وأغانٍ لموسيقيّين ومغنيّين فلسطينيّين، منها تسجيل لإلياس عوض من الناصرة وكذلك رجب الأكحل من يافا، بالإضافة إلى تقرير مصوّر عن دور الموسيقيّ محمد غازي في مسيرة الرحابنة والاستماع إلى تسجيلات صوتيّة له. أشار جلال أيضًا إلى دور إذاعة "هنا القدس" في استقطاب مشاهير من العالم العربيّ لتسجيل أغانيهم، وهي الإذاعة الأولى في فلسطين، ليتبعها إنشاء إذاعة "الشرق الأدنى"، واللتين كان لهما الدور الأبرز في التعريف عن العديد من الموسيقيّين والمغنّين العرب، حيث كان يصل ترددها إلى تركيا، وكذلك كانت تضم طاقمًا مهنيًا مما جذب إليها العديد من الموسيقيّين.
توسّع السيّد نادر جلال في محاضرته في الفترة التي جاءت بعد النكبة، حيث قد تشتت الموسيقيون الفلسطينيون والعرب الذين أقاموا وعملوا في فلسطين في شتّى بقاع العالم كحال الفلسطينيّين عمومًا، فقسم كبير منهم لم يعزف على آلته الموسيقيّة بعد عام 1948، والقسم الآخر ساهم في نهضة المشروع الموسيقيّ في الدّول التي هُجّروا إليها، ممّا أكّد اانقطاع المشروع النهضويّ الحضاريّ الفنّي في فلسطين جراء النكبة والتهجير.
عُرض الفيلم "صبري" الوثائقيّ للمخرجة فرح شيّا في القسم الثالث من الندوة، والذي تحدث عن الفنان الفلسطينيّ الكبير صبري الشريف ودوره الرائد في تأسيس إذاعة الشّرق الأدنى في قبرص، ومن بعدها المدرسة الرحبانيّة في لبنان، وتأثيره على مسيرتها وأدائها وكذلك على المشهد الموسيقيّ اللبنانيّ عمومًا. واختتمت الندوة بمداخلات وأسئلة من الجمهور.
في حديث مع الباحث نادر جلال، حول بحثه والندوة، قال: "هنالك ضرورة لاستعادة هذه الذاكرة الفنّيّة وإيصالها للجيل الحالي، لأن هنالك قطع فُرض منذ النكبة وحتى يومنا هذا، ولا بد من ردم الفجوة المعرفيّة ووصل ما قُطع، خاصة بين جيل الرواد والجيل الحالي والأجيال القادمة"، ويضيف: "لا يمكن للشعب الفلسطينيّ أن يستكمل مساهمته ومشاركته بالثقافة العربيّة والإنسانيّة دون ردم هذه الفجوة".