استهلّ د. أبو خضرة اللقاء بكلمات ترحيبيّة، موضحًا أن الحركة الأدبية ليست في أحسن حالاتها خصوصًا على المستوى القطري، فالأدباء أنفسهم لا يقرؤون لبعضهم، لذا فاللقاءات مهمة من أجل التعارف وتبادل الآراء وتنظيمهم في أطر معينة تحفظ لهم حقوقهم..، ثم أوجز عن برنامج اللقاء في شقّيه الثقافي والميداني، إذ تخلل برنامج اللقاء جولة في منطقة المثلث: الشيخ بريك، تل الشمام، السنديانة، أم العلق (من القرى المهجرة سنة 1948)، برفقة المرشد فوزي ناصر حنا.
في تعقيبه، تحدث الشاعر حنا أبو حنا عن تدارس الحياة الأكاديمية والنتاج الأدبي في إطار حميم يناقش وينتقد ويشجع للإثمار والتقاء المواهب الواعدة ومن يرعونها آملاً مواصلة التواصل والنشاط هذا، خصوصًا وغيمة داكنة تحوم على أبناء شعبنا في هذه الأيام، حيث التحريض والتهديد بكسر الفخار العربي إذا طالب الشعب بمطلب "دولة لجميع مواطنيها"، فدور المثقفين شامل لا يستثني أحدًا.
غنايم الشاعر
القسم الأول من اللقاء تناول موضوع إحياء الذكرى الثالثة لرحيل المرحوم محمد حمزة غنايم (الشاعر، المترجم، الصحافي، والخبير بالشؤون الإٍسرائيليّة)، حيث تحدّث د. محمود غنايم عن شاعرية المرحوم قائلاً: عاش شاعرًا مظلومًا في المؤسسة الأدبية مع أنه أصدر خمس مجموعات شعرية، وكان أديبًا مؤثرًا في الأوساط الأدبية، وترك بصمات واضحة سواء في مجلة وجرائد: "الشرق"، "مشارف"، "الفجر"، و"لقاء" التي كانت أهم مجلة أدبية في العالم العربي لدقتها واختيار المواضيع ومساهمتها الفاعلة في مراقبة الأحداث الأدبية، وكان أديبًا وطنيًّا منذ نعومة أظفاره، ومتطورًا في وعيه الوطني؛ ففي سنه الثامنة عشرة كتب عن تل الزعتر، لكن القدر لم يمهله ليستكمل مشواره الشعري التجريديّ، فقد حاول أن يُعمل معول فنه في جسد القصيدة لتنأى عن الفجاجة، فكان غامضًا وتجريديًّا في كل شيء، كما أنه كان فنانًا في القصائد القصيرة.
غنايم المترجم
وعن دوره كمترجم من وإلى اللغتين العربية العبرية تحدث د. محمود كيّال قائلاً: في ظل التقاطب والتأزم الموجود بين الثقافتين العربية العبرية، عمل لفترة في مجلة "لقاء"، محاولاً أن يفرض صيغة معينة من خلال الترجمات، وأن يوفق بين الفصحى والعامية بترجمته، فهي محاولة جديرة بالتقدير وإعادة النظر، كما حاول أن يعطي طريقة أخرى من خلال إبراز العناصر الأساسية لكل ثقافة، لكن المحاولة لم تكن تنجح تمامًا بسبب الضغوطات، فاستقال وعمل في مؤسسة مدار الفلسطينية. وقد ترجم للعبرية لكل من: حنان الشيخ ومحمود درويش.
غنايم الصحافي
وعن دوره الصحافيّ تحدث د. مصطفى كبها فقال: عمل محمد حمزة غنايم الصحافي لم يكن عاديًّا، بل مصممًا للوضع العام، متميزًا بالبحث عن كل ما هو خفي وغامض، فقد كانت له ثقافة واسعة وبالحواس الحادة، وكان أسلوبه متميزًا، وقد رأى بالصحافة حرفة لها معاييرها تجمع بين السلاسة والانسياب والإقناع من خلال الإثبات والبرهان. في صحيفتي "الفجر" و"الشعب" المقدسيتين تعلم الحرفة منهما، واستمر مشواره ثلاثين عامًا، فلم يعِقه الخط السياسي بأن يقول ما يشاء، وكان له منصة حرة في مجال الأدب: "فصل المقال"، "الاتحاد"، "القنديل". لقد كان استشرافه ورؤيته غير إيجابيين لما سيأتي؛ فما توقعه حدث بعد عقدين من الزمن. ثم إنه كان طلائعيًّا يحتذى به في بناء الجسور على هشاشتها، لكنه كان قد وضع الأسس لها.
وقد عقب د. خضرة بقوله: الصحافة أخذت من إبداعه الشعريّ الكثير.
إسرائيليات غنايم
ختم الناقد والباحث أنطوان شلحت الحديث عن المرحوم، حول إسرائيليات محمد حمزة غنايم وتأطير اهتمامه بقراءة إسرائيل، بانطلاق "مدار" وتحديدًا باندلاع الانتفاضة الثانية حيث كان أحد مؤسسيها، وحاول في "مدار" أن يدرس إسرائيل بعيون عربية واستشرافٍ لما هو آتٍ، أسس "المشهد" كمشروع وموقع مؤثث بالمضامين وعرض الأحداث الإسرائيلية.
شاعر وشاعرة من الشباب
القسم الثاني من لقاء الصالون الأدبي تضمن قراءة ومناقشة عيّنة من أشعار الشابين: الطيّب غنايم (نجل الشاعر المرحوم محمد حمزة) ورقيّة زيدان، حيث قدم د. جميل كتاني مدخلاً إلى فهم تجربة الطيّب غنايم الشعريّة، وشاعرية رقيّة زيدان، وقد اختتم بنقاش نقدي عامّ حول العيّنة من شعر الأديبين المذكورين من الحضور.
رمضان في الأدب
فأشار إلى شهر رمضان بأنه احد المواضيع الاجتماعيّة الدينيّة التي تركت في الأدب بصمات كثيرة. فكان له اقتراحين:
الأول: العمل على جمع المواد المتناثرة في كتب الأدب، وضمها في مؤلف يطلق عليه موسوعة رمضانيّة بعد الجمع، يمكن للباحثين أن يقوموا بالدراسات والتصنيف والمقارنة وكشف العناصر الأدبيّة والاجتماعيّة. عمل جاد يحتاج إلى جهد كبير وميزانيّات.
الثاني: إن من يقرا التراث الأدبي الكبير الخاص برمضان، يرى التعدد يصل من النقيض إلى النقيض خاصة في عصور النهضة والازدهار. ذلك يدل على التعدد وعلى المساحة الواسعة من الحرية وحرية التعبير والحرية الدينيّة التي تثير الإعجاب. الآن نحن بحاجة لاستعادة هذه المساحة.
انتقل الكلام للدكتور خالد سنداوي الذي أشار إلى انعكاس شهر رمضان في الأدب القديم والحديث، في التركيز على العادات والتقاليد الاجتماعيّة والدينيّة، ولذلك نجد الأدباء والشعراء يحتفلون برمضان ويحسنون استقباله من خلال إظهار آثار الشهر الكريم على عادات الناس وسلوكياتهم والاحتفال بالانتصارات التي حدثت خلال الشهر ، فرمضان شهر للهدايه والنصر والكرم والجود وحسن الخلق ، وقد هجا الشعراء من يرتكب المعاصي. فكان رمضان ملهما للأدباء المسلمين من العرب وغير العرب فكيف احتفى الأدب الإسلامي بشهر رمضان ؟.
يقول الكاتب نجيب محفوظ في روايته (المرايا) أن ليالي رمضان كانت فرصة جميلة للصغار من الجنسين يجتمعون في الشارع بلا اختلاط ويتراءون على ضوء الفوانيس وهم يلوحون بها في أيديهم ويترنمون بأناشيد رمضان ، إنهم يلوحون بالفوانيس الصغيرة يسألون المارة وأصحاب البيوت والدكاكين (العادة) وهم يرددون أغنية (رمضان) (رحت يا شعبان .. جيت يا رمضان). ويصف يوسف إدريس في قصة (رمضان) استعداد الناس في الريف والأحياء الشعبية لشهر رمضان. ويرسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار لنا طه حسين لحظات الإفطار فيقول : فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذان لاستماع الآذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام. ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي في أحد مقالاته الأدبية عن الصوم في كتابه (أسواق الذهب) : الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع ، لكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة ، يكسر الكبر ويعلم الصبر ويسن خلال البر ، حتى إذا جاع من ألف الشبع وحرم المترف أسباب المنع ، عرف الحرمان كيف يقع وكيف ألمه إذا لذع.
الترحيب بالهلال:
وقد جرت عادة الشعراء أن يرحبوا بهلال رمضان الذي يأذن ببدء هذا الشهر الكريم ، ويتفننوا في وصفه ويعدوه أمارة خير وبشارة يمن وبركة ، فيقول الشاعر ابن حمديس الصقلي :
قلت والناس يرقيون هلالا يشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائما فذا رمضان خط بالنور للورى أول اسمـه
ويذكر البحتري هلال شهر شعبان حين أصبح قمراً يؤذن بطلوع شهر رمضان ، فيقول :
قم نبادر بها الصيام فقد أقمر ذاك الهلال من شعبان
أما الدكتور محمد رجب البيومي أستاذ الأدب العربي فيقول : إن مواقف الأدباء والشعراء في شهر رمضان قد تباينت بين المديح والغزل والعتاب والهجاء الصريح واختلفت هذه المواقف حسب اختلاف الأدباء أنفسهم وكذلك حسب العصور الأدبية .. فبينما هجاه ابن الرومي فإن شاعرا ماجنا مثل الفرزدق كان يتنسك في رمضان وإن كانت تغلب عليه طبيعته الماجنة في بعض أشعاره.
يقول الشاعر حسن فتح الباب عن الشعر في رمضان وما كتبه الشعراء القدامى عن هذا الشهر الفضيل :أن العلاقة وثيقة بين شهر الصيام وبين الشعر فكلاهما يعبر عن رغبة وجدانية عميقة في نفس الإنسان السويّ وهي الخروج من شرنقة الماديات إلى العالم الأسمى وهو عالم الروح .. فالصيام تشف فيه النفس المؤمنة وتتخلى عن رغباتها الحسية والشعر تسام بالروح إلى ملكوت التأملات الصافية والتغلب على الجانب المظلم.
يضيف فتح الباب: أن في التاريخ الإسلامي القديم تغنى الكثير من الشعراء بفرحة شهر رمضان ومنهم البحتري
كما أن أعمال الكثير من الأدباء تميزت في هذا الشهر لأنه شهر الفتوحات العظمى في الإسلام أولها غزوة بدر الكبرى ثم فتح مكة وفي العصر الحديث أكتوبر 73 مما يدل على أن هذا الشهر الكريم شهر خير على الإسلام والمسلمين والأدباء.
ما الشاعرة علية الجعار فهي من أكثر الشاعرات احتفاء بشهر رمضان تحدثت في قصائدها عن ارتكاب المعاصي في شهر الصوم فمقطوعة عن تارك الصلاة وأخرى عن المفطر المجاهر ومقطوعة عن إيذاء الناس ثم اختتمت هذه المقطوعات بمقطوعتين الأولى تلاوة القرآن والثانية الصوم في رحاب الكعبة وتتحدث فيها عن تجربة المعتمرين في رمضان حيث يقضون أكثر أوقاتهم في البيت الحرام.
يقول د. صـلاح الدين عبد التواب: حفل الأدب منذ عصر صدر الإسلام بكثير من صور التعبير عن الحب والتقدير لشهر رمضان الكريم ولقد كان أول من فجر طاقات الحب والتقدير في نفوس المسلمين لهذا الشهر العظيم ، هو البليغ الأول في هذه الأمة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد توالت في حياة المسلمين على عهد الرسول صور هذا البيان الرائع ومن أمثلته: (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم وتصفد فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله).
يؤكد د. علي صبح على احتفاء شعراء الأدب العربي برمضان والتحدث عن فضائل الشهر الكريم وبركته وما يغرسه في النفس من سمات ولأن رمضان شهر الكرم والجود فقد ذم بعض الشعراء الموسرين البخلاء وفي هذا يقول الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفا عند أحد البخلاء.
أمّا القاضي احمد فأشار من خلال مداخلته للشاعر القروي شاعر العروبة في المهجر، ومدى حبه وتعلقه بالعروبة ولغتها والدفاع عن المقدسات العربية وإيمانه بالقومية. فقرأ أبيات من قصيدته " عيد البريّة". ثم قرأ أبيات من قصيدة "حراء يثرب" لشاعر المهجر الجنوبي جورج صيدح. وتلى أبيات شعر من مطولة كبيرة في مدح الرسول للشاعر مارون عبود. وشاعر المهجر الشمالي محبوب الخوري الشرتوني الذي تميّز شعره بجموح الخيال ورقة العاطفة من خلال قصيدته " قالوا تحب العرب "؟. ثم تحدث بإسهاب عن الشاعر زكي قنصل الذي كان في قمة الانتماء العربي ويؤمن بفكرة توحيد العرب جميعًا وكرهه للطائفيّة فتلى أبيات شعر من شعر " عرس الضياء" التي تربط ما بين آذان رمضان وترتيلة الميلاد.