اختتمت جمعيّة الثّقافة العربيّة، نهاية الأسبوع 1-2/6/2012، دورة "القيادة الشابة" التي امتدت ورشها على مدار الأشهر الثلاثة الأخيرة لمدّة 80 ساعة تدريبيّة، وشارك فيها عشرون طالبًا وطالبة جامعيّين من مختلف المناطق والبلدات العربيّة، ومن مختلف المؤسّسات والتخصّصات الأكاديميّة، وقد شملت الدورة ثلاثة مسارات تثقيفيّة وتدريبيّة: مسار التثقيفّ، مسار التفكير الناقد ومسار القيادة والتغيير، وشمل كلّ مسار سلسلة من المحاضرات والفعاليات قدّمتها نخبة من المحاضرين/ات والمدرّبين/ات.
التثقيف؛ من الهويّة إلى التشريعات العنصريّة
بدأت الدورة مع المسار التثقيفيّ متعدّد المحاور، حيث قدّم الميسّر حرب أمارة ورشة تدريبيّة حول "الهويّة؛ الفرد وجماعات الانتماء"، وقدّم المحاضر د. أحمد سعدي محاضرة حول "الهويّة القوميّة العربيّة كهويّة حداثيّة سياسيّة وثقافيّة جامعة،" تطرّق المحاضر في بداية محاضرته إلى سياق نشوء القوميّة وبلورتها ونشوء الشعور القوميّ العربيّ والحركات الوطنيّة في العالم العربيّ، وتطرّق إلى مجموعات الانتماء المنافسة للهويّة القوميّة. وشمل المسار محاضرة حول "الهويّة الجندريّة" قدّمتها المحاضرة د. فاطمة قاسم تطرّقت خلالها إلى مراحل تطور الفكر النسويّ من الليبراليّة والراديكاليّة في الفكر النسويّ ما بعد الكولنياليّ، وإلى الدراسات النسويّة في العالم العربيّ وإلى مكانة المرأة ودورها في المجتمع.
وقدّمت د. روضة عطا الله، مديرة جمعيّة الثّقافة العربيّة، محاضرة حول الهويّة الثقافيّة، قاربت خلالها مفهومي الحضارة والثقافة، وتركّزت في الهويّة العربيّة، كهويّة قوميّة ترتكز على الثقافة، موضحة العلاقة الجدلية بين الهويّة الجماعيّة والهوية الفرديّة، كما شرحت عن الهويّة الثقافيّة للفلسطينيين في الداخل من خلال ثلاثة أطر؛ المواطنة المنقوصة، فقدان المركز الثقافيّ والترييف، والوجود على هامش المدينة الإسرائيليّة، واختتمت محاضرتها بالشرح عن أهمية الاستقلاليّة الثقافيّة في ظل تشويه الهويّة والتهميش وغياب المركز السياسيّ الثقافيّ.
وقدّمت النائبة حنين زعبي، ضمن المسار التثقيفيّ، محاضرة حول التناقضات في المواطنة الإسرائيليّة شرحت في بدايتها أسس وقواعد النظام الديمقراطي وكيف أنّه لا يمكن اعتبار النظام السياسي الإسرائيلي ديمقراطيًا رغم امتلاكه لهذه الأسس لأن جميع هذه العناصر مُسّخرة إلى هدفين رئيسيين: 1.المحافظة على أغلبية يهودية. 2. سيادة قرار يهودي، ولأنّ إسرائيل قامت كحالة كولنياليّة مستمرة وحالة استحلال (احتلال وطرد واستيطان)، وأنّها لذلك ديمقراطية لليهود تحارب وجود الأقليّة الأصلانيّة العربيّة الفلسطينيّة من خلال التشريعات العنصريّة ومصادرة الأراضي.
وقدّم الباحث إمطانس شحادة محاضرة حول التشريعات العنصريّة وحقوق الأقليّة الفلسطينيّة سرد خلالها سياسات دولة إسرائيل تجاه مواطنيها الفلسطينيّين تاريخيًا، متوقفًا عند التحوّلات التي حدثت عندهم وأثّرت على سياسات الدولة تجاههم، والتي تتجلّى في هذه الحقبة بالسياسات العنصريّة المباشرة واتخاذ التشريعات العنصريّة مسلكًا واضحًا ومكشوفًا.
قدّم السّيد جمعة الزبارقة محاضرة حول مخطط "برافر" في النقب كنموذج للمخطّطات والسياسات العنصريّة، سرد خلالها قضية النقب منذ النكبة والتهجير في العام 1948 والتركيز وعدم الاعتراف بملكية أصحاب الأرض، وشرح مكونات مخطط "برافر" وما سيجلبه من مصادرة أراضٍ وتهجير جديد للقرى العربيّة غير المعترف بها.
وحول تقييمه لأثر المسار التثقيفيّ في دورة "القيادة الشّابة" صرّح المشارك وسيم عباس (طالب حقوق في جامعة حيفا، من كفر كنا): "الثّقافة السياسيّة متداخلة في كلّ تفاصيل حياتنا، وعلى كلّ قياديّ أن يكون مثّقفًا سياسيّا، المحاضرات التثقيفيّة في الدورة كانت جديّة وقيّمة ومفيدة، ومضامينها كانت ممتازة لأنّها عميقة ومتنوّعة؛ ثقافيّة وسياسيّة اجتماعيّة واقتصاديّة، كلّ هذه المجالات مرتبطة ومكملة لبعضها، كما أنّها ثبّتت في النهاية قناعتي بأهمية الاستقلالية الثقافية".
القائد الناقد والمحرِّر
المسار التدريبيّ الثاني للدورة تركّز في موضوعة "التفكير الناقد"، قدّمته المحاضرة المختّصة في المجال د. رباب طميش، من خلال ثلاثة لقاءات تدريبيّة.
شكّل اللقاء الأول مدخلا إلى التفكير الناقد من خلال شرح وتوضيح المصطلحات والمفاهيم، تحدثّت خلاله المحاضِرة عن مفهوم التفكير الناقد كقدرة على توظيف أعلى مستويات التفكير بهدف تعميق المعرفة وتحدي التوجهات القائمة، وكنشاط عقليّ مركب وهادف توجهه رغبة قوية في البحث عن حلول أو التوصل إلى نتائج أصيلة، والتمهل في إعطاء الأحكام، كما تطرقت المحاضرة إلى أسس ومعايير التفكير الناقد ومستويات التفكير، وصفات المفكّر الناقد، التي تعتبر صفة التساؤل وإثارة الأسئلة من أهمّ صفاته.
وواصلت د. رباب طميش خلال اللقاء الثاني شرحها عن صفات المفكر الناقد ولا سيّما القدرة على الإقناع والتأثير، وشرحت النظرية النقدية كنظريّة اجتماعيّة تتمركز حول نقد وتغيير المجتمع ككلّ، وعرّفت ماهيّة ومكوّنات الفكر االتحرري للقائد الناقد الذي ، بحسب نظرية المفكر التربويّ بابلو فيريري، يجعل "القمع وأسبابه موضوع تفكير وليس من أجل المقموعين ونيابه عنهم..إنه من أجل تحررهم وحتى لا يروا العالم كعالم مغلق بل كوضع يمكن تغييره..."، كما شرحت د. طميش حول القدرة على الإدراك والتغيير عند القائد الناقد أي التعلّم على إدراك التناقضات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والقيام بعمل ضد عناصر القمع الموجودة في الواقع.
في اللقاء الثالث تطرّقت المحاضِرة إلى مفهوم الوعي الناقد من خلال الوقوف على مستويات الوعي المتعدّدة، وفهم ميزات كلّ منها، كما تطرّقت إلى أسس العمل التحرري مع الناس، الذي يمتاز باحترام العقول والتوجهات، وتشجيع الحوار والتحليل والتفكير، واحترام المعرفة وتعزيز الفضول.
وحول أثر تدريب التفكير الناقد عليها، قالت المشاركة جيهان خلايلة (طالبة رياضيات في جامعة حيفا، من سخنين) إنّ التدريب عزّز لديها "القدرة على التواصل والإصغاء للناس، وإعطاني مهارات نقديّة تمكنني من فهم الآخرين ووضع نفسي مكانهم حتى أفهمهم وأنجح في نقل موقفي إليهم، وكيفية الحوار في حلقات نقاش وضمن مجموعة، لقد قوّتني الدورة وأعطتني الحماس والتحفيز للتحرك والعمل والعطاء"
"من هو القائد؟!"
المسار الثالث في دورة "القيادة الشابة" تركّز في مجال القيادة والتغيير، وتكوّن من قسمين، درّب في القسم الأول موجّه المجموعات والمدرّب محمد مرزوق، ودرّب في القسم الثاني المدرّب عيسى اسميرات من معهد الشراكة المجتمعيّة- جامعة بيت لحم.
اعتمد القسم التدريبيّ الأول على ثلاثة محاور رئيسية؛ محور الوعي الذاتي والحوار الداخلي، فحص كلّ مشارك، عبر النقاش في المجموعة، صفاته ومميزاته وشخصيته كيفما يراها هو ومقارنة ذلك في كيفية انعكاس شخصيته في عيون الآخرين، المحور الثاني كان حول المفهوم العام للقيادة وخصائص القائد، وعمل المشاركون في مجموعات صغيرة على تطوير نموذج القائد الأمثل حسب تصورهم وبلوروا نموذجهم القياديّ الخاص، أما المحور الثالث فهو محور تطوير المهارات القيادية لدى المشاركين، من خلال تمارين فردية وجماعية على بعض المهارات القيادية مثل: تحسين الاتصال الذاتي، العمل الجماعي، وألعاب أدوار تفحص تفاعلهم مع أوضاع تحتاج اتخاذ قرار أو قيادة المجموعة، كما تم التركيز على أهمية الرؤية لدى القائد في عملية التحريك والقيادة، إضافة إلى ذلك تدرّب المشاركون على بلورة وصياغة رؤية لدور الشباب الفلسطيني.
في اللقاء التدريبي الأخير للدورة، الذي أقيم في فندق "جولدن بارك" بمدينة بيت ساحور، نهاية الأسبوع الماضي 1-2/6/2012، بحث المدرّب والمحاضر عيسى اسميرات، عدة مواضيع ذات صلة بالقيادة والعمل القياديّ للتغيير.
تحدّث اسميرات حول أنواع، صفات ومهارات القيادة، وشرح نموذجًا لأشكال القيادة من خلال الاختلاف بينها في الاهتمام بالإنتاج والأشخاص، كما شرح نموذج التقييم (swot) الذي يحلّل ويكتشف الفرد والمجموعة من خلال نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات، وتحليل البيئة الداخليّة والخارجيّة، كأساس لوضع الخطة الإستراتيجيّة، كما تدرّب المشاركون على كيفية التخطيط الإستراتيجي ومراحله ومكوّناته (الرؤيا، الرسالة، الأهداف)، من خلال وضع خطة إستراتيجية نموذجيّة للجنة طلاب عرب، كما تطرّق اسميرات في ثاني أيام التدريب إلى الاتصال وعلاقته بالقيادة، ومهارات إدارة الاجتماعات.
وحول رأيها في المسار التدريبيّ "القيادة والتغيير" قالت المشاركة حلا مرشود (طالبة لغة إنجليزيّة وتربية في الجامعة العبريّة، من حيفا) قالت: "لقد كنت أتساءل دومًا: ما هي القيادة الجيدة؟ لقد جعلتني الدورة أعرف ماذا يعني، بالنسبة لي وللآخرين، هذا المصطلح، ما هو القائد وما هي صفاته وتعرّفت أبعادًا جديدًا، كما أعطتني الدورة المجال لنقد وتقييم القيادات، وأهمّ شيء أنّنا استطعنا وضع رؤية للقيادة التي نرنو لها".
أما المشارك فارس حوراني (طالب هندسة بيوكيميائية في معهد التخنيون، من دير حنا) فقال حول استفادته من الدورة ككلّ "لقد استفدت كثيرًا، قبل الدورة كنت أحب العلم فقط وانظر من بعيد إلى الأحداث ومن مكانٍ محايد، انضممت للدورة حتى اكتسب معلومات جديدة ووعي سياسي ينقصني، في الدورة رأيت أنّ كلّ موضوع هو عالمٌ واسع بحد ذاته ومثير للاهتمام، التفكير الناقد يجعل نظرة الإنسان إلى حياته والناس حوله أوسع وأشمل، لقد استفدت من الجمعيّة وتعلمت منها أن أكون معطاءً ، وكانت خطوة مهمة لي شخصيًا وغيّرت فيّ الكثير".
والجدير ذكره، أنّ دورة القيادة الشابّة تنفذ ضمن مشروع "التمكين الشبابيّ" بدعمٍ من مؤسّسة "المجتمع المفتوح".