المشروع الوطني الفلسطيني الجامع في صلب نقاش ندوة انتخابات الكنيست في جمعية الثقافة العربية

نظّمت جمعيّة الثّقافة العربيّة، يوم الأربعاء 30/1/2019، ندوة خاصّة في مدينة حيفا بمناسبة انتخابات الكنيست القريبة، حملت عنوان "على أعتاب انتخابات الكنيست 2019: مآلات المشاركة العربيّة" حضرها العشرات، وشارك فيها كل من النائبة عن التّجمّع الوطني الديمقراطي في القائمة المشتركة حنين زعبي، ومدير المركز العربي للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة "مدى الكرمل" د. مهنّد مصطفى، والباحث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة "مسارات" رازي نابلسي، وأدارت الندوة الصحافيّة سناء حمّود.


تناولت الندوة موضوع المشاركة العربيّة في انتخابات الكنيست لعام 2019، وتطرّقت إلى تجربة القائمة المشتركة في الدورة السابقة ومراجعة وتقييم أدائها البرلماني والشعبي وخطابها السياسي. كما فتحت الندوة نقاشًا حول المشروع السياسي للفلسطينيين في أراضي الـ48 في أعقاب "قانون القوميّة" الإسرائيلي، وما هي الخيارات الماثلة أمام هذا المشروع بعد ذلك القانون وفي ظلّ انتخابات الكنيست القريبة.



مهند مصطفى: لو كان هناك مشروع سياسي متّفق عليه للفلسطينيين في الداخل لكان أداء القائمة المشتركة مختلفًا


وفي مداخلته قال مهند مصطفى إن إسرائيل تشهد تحولا مهما جدًا على المستوى النظري والفعلي الواقعي يتمثل بوجود حزب حاكم في إسرائيل وهو الحزب الوحيد القادر على تشكيل الحكومة. وأضاف "إن الليكود يحكم منذ عشر سنوات وهو أحد الشروط للتحول من حزب حاكم إلى حزب مهيمن متمثلًا باستمراريته في الحكم، بالإضافة لنجاحه في إنتاج وتشكيل المجال العمومي والدولة والمشروع الصهيوني كما يرتئي أيديولوجيًا، وقانون القومية نقطة مفصلية من فكرة الانتقال من الحزب الحاكم للحزب المهيمن، وهذا الأمر سوف يستمر بعد نتنياهو".


وأشار مصطفى إلى أن اليمين المتطرف في إسرائيل هو جزء من المنظومة الاستعماريّة الاستيطانيّة، وأن هناك كتلة يمينيّة مهيمنة ولا يوجد حزب يميني مهيمن حتى الآن، معتبرًا أن الكتلة الوحيدة التي تستطيع أن تشكّل حكومة لوحدها هي كتلة اليمين التي أصبح لديها وعي ذاتي لا يقبل بحكومة لا يقودها اليمين. وأضاف "اللحظة التاريخيّة الراهنة غير مسبوقة بالنسبة لليمين الاسرائيلي تتمثل بالضعف الفلسطيني وواقع إقليمي وعربي مشتت وواقع دولي يتميّز بسياسات ترامب وضعف النظام الدولي القديم. وفي هذه المرحلة يتّجه اليمين في إسرائيل نحو الهيمنة الأيديولوجيّة ليس فقط على إسرائيل بل على مجمل المشروع الصهيوني".



وأكّد مصطفى أن هدف الهيمنة هو المشروع الفلسطيني إذ "لا يمكن الفصل بين الواقع الفلسطيني وبين الواقع الإسرائيلي. كل التحولات السياسيّة الإسرائيلية والتحولات التي تحدث في المستوى السياسي الأيديولوجي والقواعد الاجتماعية وأنماط التصويت والسلوك السياسي هي نتاج الواقع الفلسطيني. المشروع المهيمن سيبقى في إسرائيل وهو المشروع الديني الصهيوني القومي المتطرف، ومن هذه النقطة يجب أن نبدأ في تناول المشهد الانتخابي والقائمة المشتركة".


وتطرّق مصطفى إلى "قانون القومية" واعتبر أنه لا يتعلق بالفلسطينيين في أراضي 48 فقط بل بكل الفلسطينيين، وهم الوحيدون الذين تعاملوا معه في كافة أماكن تواجدهم لما يمثله من مخاطر، إلّا أن كل فئة تعاملت معه من موقعها وبشكل منفصل عن الفئة الأخرى. وأضاف "كان يجب بناء حراك فلسطيني مشترك ضد القانون، لكن مجال التعاطي معه فلسطينيًا كان هشًا وهذا يعود لواقع التشرذم الفلسطيني. قانون القومية كان فرصة ذهبيّة لإعادة التفكير وطرح المشروع الوطني الفلسطيني الجامع".


واعتبر مصطفى أنه لا يوجد مشروع سياسي للفلسطينيين في أراضي الـ48 وأن غياب هذا المشروع هو الذي أنتج القائمة المشتركة بهذا الشكل قائلًا "لو كان هناك مشروع سياسي متّفق عليه لكان أداء المشتركة مختلفًا. المشتركة كانت عبارة عن "سفينة نوح" بهدف الخلاص الحزبي وتم التعامل معها كل الوقت على هذا الأساس. كان يمكن لها أن تتحول إلى حالة وطنية لو كان هناك مشروع سياسي متّفق عليه إلا أنّها خفضت من السقف السياسي للفلسطينيين بالداخل في السنوات الأربع الماضية".


وخلص مصطفى إلى القول إن مفهوم العمل السياسي أصبح يعني العمل البرلماني كونه لم يُطرح مشروع سياسي خارج البرلمان، ودعا إلى التعويل على العمل السياسي خارج البرلمان، وهو ما يمكن له أن يساهم في بناء مشروع وطني فلسطيني.



رازي نابلسي: هناك خوف بأن نصل إلى وضع لا نجد خيارًا للخروج من الكنيست


وطرح رازي نابلسي أسئلة عديدة حول القائمة المشتركة تتعلق بأدائها خلال السنوات السابقة قائلًا "عند تأسيس المشتركة قالوا إنها فرصة لتوحيد القوى السياسية الفلسطينية، لكن لم يحصل ذلك. ما حصل هو أن المشتركة كانت مفتتة داخليًا، ومليئة بخلافات وصراعات، وهي ليست خلافات سطحيّة. كانت هناك خلافات على البرنامج والاستراتيجية، هذا إن كانت هناك استراتيجية أو مشروع، مع العلم أن المشتركة نفسها كان يمكن أن تكون مشروعًا. لكن ما حصل هو العكس، فلم تكن علاقة جيدة بين الأحزاب والمشتركة همّشت مؤسسات أخرى خارج البرلمان كلجنة المتابعة، وانحصر مفهوم القيادة في أعضاء الكنيست".


وأضاف نابلسي "ولأن المشتركة تعاملت مع نفسها كمشروع برلماني وانتخابي، فإن الناس تعاملوا معها كذلك ولم ينتقلوا إلى الشارع والعمل السياسي. كما أن المشتركة فشلت بتقديم إجابات سياسيّة على قضايا مجتمعيّة عديدة مثل العنف. والمشتركة بنهاية المطاف مكوّنة من أحزاب لديها كوادر وقواعد ولا يمكن فصل الحالة الفلسطينيّة العامّة عنها وما يصيبها من ترد وأزمة كبيرة، وغياب القدرة على حل المشاكل".


وتطرّق نابلسي للمشروع السياسي للفلسطينيين في الداخل قائلًا "إن كان هذا المشروع هو المطالبة بالمساواة أو دولة مواطنيها، فمثل هذه المشاريع تفتتت على عتبة السياسة الإسرائيليّة ولم تعد موجودة. أين حدود خطاب المواطنة؟ والعمل البرلماني أين آفاقه؟ لا يوجد أي إنجاز ملموس. هل يوجد مشروع يتم بناؤه في الشارع في حال قررت الأحزاب أن تخرج من الكنيست؟ هناك خوف بأن نصل إلى وضع لا نجد خيارًا للخروج من الكنيست. في الدورة الأخيرة كان هناك ابتعاد عن السياسة وانعكس ذلك بمشاركة الناس في المظاهرات وعدد الذين ينضمون للأحزاب".



كمّا حذّر نابلسي من خروج الأحزاب من الكنيست دون وجود مشروع وطني لأن آخرين انتهازيين سوف يدخلون وتعود الأحزاب الصهيونيّة قائلًا "يجب أن نفكر كيف نخرج من حفرة الكنيست وأن لا نقع في حفرة أكبر".


وشدد نابلسي على ضرورة وضع خطاب سياسي جديد يأخذ بعين الاعتبار جميع مكوّنات الشعب الفلسطيني قائلًا "الفلسطينيون في الداخل ليسوا من كوكب آخر، هم جزء من شعب فلسطيني. في كل حياتنا نتأثر من الحالة الفلسطينيّة العامّة، مثل أوسلو والانتفاضة الثانية، وكل ما يحصل معنا هنا جزء من حالة التفتت الفلسطينية. على القوى السياسية في الداخل أن تأخذ مسؤولية حول مستقبل الفلسطينيين بالداخل، نحن ذاهبون لمكان صعب ولا توجد إجابات على حالة التفتت، يجب التفكير بمستقبلنا ومستقبل الحالة الفلسطينيّة العامّة".


وختم نابلسي بالحديث عن تعامل السلطة الفلسطينيّة مع الفلسطينيين في الداخل باعتبارهم شريحة من المجتمع الإسرائيلي معتبرًا أنه من حق الفلسطينيين في الداخل التّدخل في قضايا الفلسطينيين في الضفة والعكس، وذلك من منطلق وحدة المصير السياسي.



حنين زعبي: ليس السؤال مع الكنيست أو ضد بل كيف هو شكل وجوهر تمثيلنا السياسي


في مداخلتها تحدثت النائب حنين زعبي عن تأسيس القائمة المشتركة عام 2015 في مرحلة تمثّلت على حدّ تعبيرها بزمن انحسار الخطاب السياسي الفلسطيني بالداخل وخيبات الأمل من الثورات العربيّة، وفي زمن الملاحقات السياسيّة ضد الحركة الإسلاميّة والتّجمّع الوطنيّ، قائلة "المشتركة خرجت في سياق رديء يعود بنا عشرين سنة للخلف. لكن هل السياق الذي خرجت منه المشتركة يعفينا من الأسئلة أم يحملنا مسؤوليات جديدة؟ صحيح أن المشتركة ولدت اضطراريًا، لكن حتّى عند الولادة الاضطراريّة يكون السؤال هل لدينا فرصة للانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة؟".


وأضافت زعبي "كان من المفترض أن يكون أداؤنا السياسي بعد إقامة المشتركة أفضل مما كان قبلها. هذه قناعات البعض، وهي تؤكد أيضًا أن على المشتركة أن تكون جبهة وطنيّة أمام مشروع استعماري وليس تحالفًا انتخابيًا أمام يمين فاشي أو أمام اليمين الإسرائيلي. العبء الأول أمام القائمة أنه خلقت مشتركة من دون مشترك، ونحن نريد مُشتركا. لم نستطع خلال الأربع سنوات أن نبني مشتركًا سياسيًا أعلى من الحد الأدنى. أنا أحمل وجهة نظر تحليل التجمع داخل المشتركة مع كل الحرص على بقاء هذه القائمة. والحد الأدنى بيننا غير متفق عليه، وهو مفروض من أحد المركبات ومن دون تنسيق بيننا. لم يكن الهاجس لدى بعض القوى بناء برنامج ورؤية سياسية تتعدى القاسم المشترك من الحد الأدنى للجميع".


وأكدت زعبي أن بناء إطار وحدوي داخل البرلمان بعد 70 سنة يعتبر إنجازًا وله مقولة سياسية لا يستهان بها. وأضافت "أتانا قانون القومية كفرصة ذهبية لأن نطرح بديلًا لكننا فشلنا في ذلك. إسرائيل وضعت كل صهيونيتها أمامنا، فالقانون يلزم إسرائيل بأن تكون استعماريّة في كل قوانين البناء، وكان ردّنا مظاهرة في تل أبيب عليها نقاش حول العلم الفلسطيني. كان يجب أن نرفع الخطاب السياسي العام، وليس أن نرفع من المشتركة كالقول بأنها القوّة الثالثة لنضخّم بذلك دورنا والعمل البرلماني ونوهم الناس بإمكانية تحقيق إنجازات برلمانيّة".


وأشارت زعبي إلى أن عدم رفع الخطاب السياسي العام أدى إلى بروز الشعبويّة ونهج الاستعراض المسرحي السياسي الذي يحوّل السياسة إلى مسرح ونجوميّة قائلة "هناك جهات في المشتركة خشيت من أن تحمل صوتًا أكثر راديكالية خوفًا من ردّة فعل الشارع الإسرائيلي. كان يجب أن يُؤخذ خطاب دولة المواطنين بجدية. نحن لسنا معارضة في فرنسا، بل في دولة استعماريّة تطبّع مع العالم العربي، والسلطة الفلسطينيّة تشارك في حصار غزّة".



وتطرّقت للنقد الموجه للمشتركة واعتبرت أن جزءًا منه منطقي متعلق ببناء مصداقية مع الناس، لكن هناك ما هو غير منطقي فيما يتعلق بالعنف قائلة "نحن نستطيع مقاطعة عصابات الجريمة، لكن هناك أعضاء كنيست داخل المشتركة لا يوجد بينهم إجماع على الكتابة ضد عصابات الجريمة".


وحذّرت زعبي من النقاش مع المشاركة في الكنيست أو ضد المشاركة، وأكدت أن السؤال يجب أن يكون حول مدى وجود أطر مشتركة كالقائمة المشتركة ولجنة المتابعة ودورها، لأنه بدون هذه الأطر ستطغى الشعبويّة والانتهازيّة على حساب العمل السياسي. وطالبت زعبي ببناء مشترك سياسي للفلسطينيين بالداخل على شكل مشروع سياسي جامع "وهو أمر ليس مهمة المشتركة فقط بل يجب أن تكون هناك مرجعيّات خارج البرلمان، والتفكير بشكل جدي بفتح نقاش حول المقاطعة وإمكانية تفعيل وسائل نضال جديدة مثل العصيان المدني. إن سؤال مع أو ضد الكنيست يغيّب النقاش الأهم حول كيفية تمثيلنا وما هو شكل تمثيلنا؟ وأي حالة سياسيّة ستكون خارج أو داخل البرلمان؟ وكيف نصل لقرار المقاطعة ونحن في الأحزاب غير متفقين على تعريفات أساسيّة متعلّقة بطبيعة إسرائيل كمشروع استعماري في ظل تعويل البعض على اليسار الإسرائيلي وقيادة المعارضة في الكنيست". وقالت زعبي إن على المشتركة أن تنفتح على الصوت الشبابي المسيس خارج المشتركة والأحزاب، لما له من زخم مهم في بناء مشروع سياسي مشترك للفلسطينيين في الداخل.


وحول تقييم تجربتها داخل البرلمان خلال عشر سنوات خلصت زعبي إلى القول إنها غير نادمة على هذه التجربة، ولو أعيدت لها الفرصة كانت ستخوضها وتقوم بكل شيء فعلته. وقالت "تعززت لدي قناعة بأن الذي يؤثر في هذه المرحلة هو شكل مشاركتنا في البرلمان وليس سؤال إذا نشارك أو لا. هل نحن نحمل الصراع معنا وحالة الغربة والاغتراب بكل ثقلها ونمارسها بكل زخمها أو لا نمارسها؟ السؤال كيف نكون وبأي حالة تشابك؟ هل نحمل صوت الضحية؟ وهذا سؤال يجري التقليل من أهميته".