ضمن لقاءاتها المحليّة مع جمهور الأهل والمعلمين لنقاش تقرير "المناهج والهويّة" وبحث سبل مواجهة الأزمة التعليميّة العميقة الناتجة عن الأخطاء اللّغويّة والمضامين المشوّهة في كتب التدريس المقرّة للمدارس العربيّة، نظّمت جمعيّة الثّقافة العربيّة يوم السبت الماضي في مسرح الميدان في مدينة حيفا، لقاءً جمع العشرات من المهتمين في قضايا التربية والتعليم والهويّة. شمل اللقاء مداخلات للباحثين وتعقيبات لمديري مدارس وأولياء أمور ونقاشًا للجمهور، وقام المشاركون جميعًا في نهايته بتوقيع عريضة خاصة ودعوا الجماهير والقيادات العربيّة بالتوقيع عليها لحماية أبنائنا وبناتنا.
بدأ اللقاء، الذي تولى عرافته وإدارته الأستاذ إياد برغوثي، منسّق المشاريع في جمعيّة الثّقافة العربيّة، بمداخلة قصيرة حول مشروع "المناهج والهويّة" وأهدافه، ثمّ كانت المداخلة التي قدّمها د. إلياس عطا الله، الذي قام خلال مشروع "المناهج والهويّة" بمراجعة ورصد الأخطاء اللّغويّة في الكتب التدريسيّة، وتحدّث في البداية عن اللّغة ودورها في بناء الجماعة القوميّة، وتطرّق د. عطا الله إلى منهج التشويه اللّغوي في كتب التدريس التي تتكرّر فيها ذات الأخطاء مئات المرّات، مقدّمًا للجمهور المعطيات التي كشفها البحث حول كمّ الأخطاء في الكتب وتصنيفها بحسب علوم العربيّة؛ من النحو والصرف والإملاء والترقيم والضوابط بالإضافة إلى الأخطاء المطبعيّة موردًا العديد من النماذج.
ثمّ قدّم د. جوني منصور مداخلة حول كتب تدريس التاريخ للصفوف من الخامس حتى الثامن، التي راجعها ضمن مشروع "المناهج والهويّة"، حيث بدأ المداخلة بمقارنة بين مناهج تعليم الطلاب العرب والطلاب اليهود، على مستوى الكمّ والمضمون، فمن جهة هناك إكثار مفرط في المعلومات بهدف تحويل دماغ الطالب إلى مخزن ومستودع للمعلومات، وعدم اعتماد أساليب تحليلية واستنتاجية، ومن جهة أخرى يظهر كيف يتعلّم الطالب اليهودي تاريخه بكل مراحله أما الطالب العربيّ فيتعلّم بالأساس تاريخ الآخرين ومن وجهة نظرهم (ما عدا نصوص قصصيّة عربيّة في الصف الخامس).
وأبرز د. منصور من خلال عرض شرائح خاص باللقاء العديد من النماذج المصوّرة عن الكتب والتي تظهر الإشكاليات العديدة فيها، مثل الخرائط الخاطئة التي تكتب القدس عليها في وسط البحر الميت أما يافا فتبدّل مكانها ع نابلس! وهي خرائط في كتب صدرت حديثًا. وأكّد د. جوني على الخطاب التاريخيّ الصهيونيّ للكتب من خلال التسميات العبريّة واعتماد التوراة كمصدر تاريخيّ معتمد وإدخال حقبة من تاريخ اليهود في كلّ الكتب حتى لو لم تكن ذات صلة بهم (مثل إدخال فصل عن تاريخ اليهود في أوروبا ضمن كتاب عن الإمبراطورية العباسيّة).
بعد مداخلات الباحثين، عقّب الأستاذ المربي إدوار شيبان، مدير الكلية العربيّة الأرثوذكسية في حيفا، على البحث مؤكّدًا أهميته التربويّة وداعيًا الجمعيّة إلى عرضه أمام طواقم المعلمين والطلاب في المدارس، مشيرًا أيضًا إلى تجربة الكلية الأرثوذكسية في مضمار تعليم التاريخ كنموذج لإمكانيات العمل، حيث تدرّس مادة كتاب التاريخ الذي يشمل فصلاً عن القضية الفلسطينية في آخر الكتاب بشكلٍ عكسي، أي تدرّس هذه المادة من بداية السنة، وأكّد شيبان على نجاح هذه التجربة وأثرها الرائع على الطلاب.
كما عقّبت المربيّة أفنان إغبارية، مديرة مدرسة المتنبي الثانويّة في حيفا، مشدّدة على مركزيّة اللّغة في صياغة هوية الطالب، وأضافت عدة أمثلة من تجربتها كمدرّسة للرياضيات على مضمون الأسئلة وتوجهاتها حيث تترجم دون تصرّف أو ملاءمة، وركّزت على تجاهل هذه الكتب لأسماء الأماكن العربيّة وعلى ذكوريتها حيث تتجاهل أسماء الإناث وعالمهم. ودعت إغبارية في مداخلتها الطلاب المتفوقين والواعين إلى الانضمام إلى سلك التعليم والمساهمة في النهضة التربويّة المنشودة.
كما عقّب د. أمل جبارين، رئيس لجنة أولياء أمور مدرسة "الكرمة"، مركّزًا على ضرورة مشاركة الأهل والمعلمين في الأنشطة التثقيفيّة، وتحدّث عن المصاعب التي تواجه تنظيم وتفعيل لجان أولياء الأمور واستدامة عملها، وعلى ضرورة أخذ دورها ومشاركتها في وضع مضامين للبرنامج التعليميّ، كما أكّد د.جبارين على دور المعلمين الأساسيّ في تمرير المواد والمضامين التربويّة، بالإضافة إلى الدور المنوط بالمجالس الطلابيّة التي يجدر تفعيلها أكثر.
من جهته، شكر المحامي معين عرموش، رئيس الاتحاد القطري لأولياء أمور الطلاب العرب، الجمعية على بحثها الهام، وتحدّث عن سياسة التشويه اللّغويّ التي تتحمّل الوزارة مسؤوليتها، مؤكّدًا على أنّ السكوت على هذا التشويه، بعد أن أثبتته جمعيّة الثّقافة العربيّة للمرة الثانية، يعتبر مشاركة في الجريمة، ودعا عرموش إلى عمل منهجي وموحّد من خلال توعية الأهل والمعلمين وأقسام المعارف والقيادات المحليّة، والضغط على الوزارة والعمل القانونيّ في حال احتاج الأمر.
بعد التعقيبات، شارك الجمهور في نقاش مثرٍ حول المداخلات والتعقيبات واقتراحات للعمل، وتطرّق النقاش إلى دور المعلمين وإمكانيات تأثيرهم على مضمون العملية التربويّة، وتجارب التعليم البديل، وعملية التصدّيق على الكتب، كما تطرّق النقاش إلى ضرورة التوعية الجماهيريّة الواسعة على نتائج هذه البحث وأهمية تحريك الناس للدفاع عن حقوق أطفالنا في تلقي التعليم السليم لغة والمناسب مضمونًا، كما أكّدت جمعيّة الثّقافة العربيّة على إطلاق أولياء أمور لعريضة جماهيريّة تطالب بتغيير الكتب القائمة ومسار التصدّيق عليها، ودعت المشاركين والجمهور عامة لمساندة هذه العريضة والتوقيع عليها.