الثقافة العربيّة تختتم نشاطات مهرجان المدينة للثقافة والفنون احتفاء بمدن السّاحل الفلسطينيّة: عكّا، حيفا، يافا

اختتمت جمعيّة الثّقافة العربيّة الأسبوع الماضي نشاطات مهرجان المدينة للثّقافة والفنون لهذا العام تحت عنوان "مدن الساحل: عكّا، حيفا، يافا"، والّتي استمرّت طوال الأسبوع بصيغة رقميّة عبر بثّ محاضرات وندوات وأفلام تتناول قضايا تتعلّق بمدن السّاحل الثّلاث، إضافةً إلى عرض جولات مصوّرة في كلّ من هذه المدن، كان قسم منها موجّهًا للأطفال، إلى جانب تنظيم أيّامٍ تطوّعيّة لطلّاب منحة روضة بشارة عطا الله في كلّ من المدن بالتعاون مع حركات شبابيّة فيها ضمن نشاطات المهرجان.

وأقيم مهرجان المدينة بدعم من مؤسسة التعاون ومن مؤسسة عبد المحسن القطان للثقافة والفنون. وأوضح مدير المهرجان، ربيع عيد، أنّ "أهمّيّة اختيار ثيمة السّاحل الفلسطيني كثيمة مركزيّة للمهرجان تكمن في أنّ هذه المدن تواجه منذ النكبة، مخطّطاتٍ مُمَنهجةً تهدِفُ إلى طمس معالمها الفلسطينيّة وتزوير هويتها وتاريخها وثقافتها وتستهدف سُكّانها الفلسطينيّين الأصلانيّين، إلى جانب سياسات التهويد والإفقار التي يعاني منها سكان الأحياء الفلسطينيّة المهمّشة".

وأكد عيد أن الجمعية وُفقت في اختيار هذه الثيمة وجاءت فعاليات المهرجان منسجمة معها كما أنها استقطبت اهتمامًا ملفتًا من طرف الجمهور العريض ولا سيما في المدن المذكورة.

جولات في المدن

وعرضت الجمعيّة خلال المهرجان ستّ جولاتٍ كانت قد أنتجتها مسبقًا، منها ثلاث جولاتٍ تناولت تاريخ المدن الثّلاث والتّحدّيات الّتي تعيشها كلٌّ منها في ظلّ واقعها السّياسيّ. ففي عكّا تناول النّاشطان أندرو عبادو وزمزم فاعور تاريخ المدينة وواقعها السياسي اليوم والظروف التي يعيشها الفلسطينيون في المدينة. وفي حيفا استعرضت الجولة مع مخطّط المدن والباحث عروة سويطات تاريخ بعض أحياء المدينة وسلّطت الضوء على واقع هذه الأحياء اليوم التي تواجه سياسات ومخططات تستهدف المجتمع العربي الفلسطيني. أمّا في يافا، فتناولت الجولة مع النّاشط عبد أبو شحادة أهمية يافا التّاريخيّة والإستراتيجية جغرافيًّا، وتحويل يافا إلى "قرية فنانين" في السياق السياسي الفلسطيني.

كذلك صوّرت ثلاث جولات للأطفال مع الحكواتي والفنّان لطف نويصر، بثّت جميعها خلال أيّام المهرجان، مستعرضةً في كلّ واحدةٍ من المدن أبرز المحطّات التّاريخيّة والشّخصيّات الّتي كانت في كلّ من عكّا وحيفا ويافا، بطريقة مشوّقة واستعراضيّة.

من عرض "لاعب النّرد"

عروض فنيّة وأفلام

عرضت الجمعيّة خلال أيّام المهرجان مجموعة أفلام وعروض فنّيّة؛ فعرضت فيلم "يافا أمّ الغريب" وهو وثائقي من إخراج رائد دزدار، يتناول تفاصيل العنف الذي واجهته مدينة يافا من قوّات الاحتلال عام 1948؛ والوثائقي "حبيبي بيستنّاني عند البحر" للمخرجة ميس دروزة، والذي يحكي قصّة مخرجته الّتي جاءت إلى فلسطين لتلتقي بوطنها وحبيبها؛ كما عرض الفيلم اللبناني "بيت البحر" للمخرج روي ديب، والّذي يتناول قضايا الشباب العربيّ وهمومه المثقلة بتاريخه، عبر قصص لأربعة أصدقاء؛ كذلك عرض فيلم "فراولة" لعايدة قعدان، والّذي يتناول علاقة الفلسطينيّ بالبحر في ظلّ الواقع السّياسيّ وممارسات الاحتلال.

وبثّ المهرجان مقطعي فيديو مسجّلين، الأوّل افتتح المهرجان وهو فيديو "وجوه من المدينة" لأغنية "طير يا هوا" للفنّانة الفلسطينيّة الرّاحلة، ريم بنّا، والثّاني كان عملًا فنّيًّا بالتّعاون مع استوديو رابعة مرقس للرّقص ومدرسة "الأمل" للرّقص المعاصر، وهو مشاركة فلسطينيّة في تحدّي الرّقص على أغنية "جيروساليما" الأفريقيّة الأصل. أمّا العرض المركزيّ في المهرجان فكان عرضًا شعريًّا موسيقيًّا للفنّانين عامر حليحل وحبيب شحادة حنّا، بعنوان "لاعب النّرد" ألقى فيه حليحل مقاطع من قصيدة "لاعب النّرد" للشاعر محمود درويش.

قراءات في المدينة

عرض المهرجان ضمن نشاطاته قراءاتٍ مصوّرة لكتّاب في كلٍّ من المدن السّاحليّة الثّلاث، فعرض قراءة للكاتب إياد برغوثي من روايته "بردقانة" مصوّرةً في عكّا، بينما قرأ الكاتب رشيد إغباريّة في حيفا قصّته "الغريب في شارع صهيون"، وقرأت الكاتبة شيخة حليوى في يافا قصّتها "فرع البريد المحلّي وسط يافا".



ندوات ثقافيّة وحوارات فنّيّة

إلى جانب هذه القراءات، نظّمت الجمعيّة ندوتين، ندوة إطلاق ديوان الشّاعر نجوان درويش "استيقظنا مرّةً في الجنّة"، وهو يضمّ إحدى وثمانين قصيدة تتحرّك في فضاء حيفا والقدس وتنفتح على أفق عربي وإنساني واسع، ويحمل غلافها صورة لمدينة حيفا قبل احتلال عام 1948، وندوة لمجموعة "الدّائرة" تحت عنوان "الهويّة والمدينة والبحر" في حوار يتأمل الساحل الفلسطيني ومدنه من موقف المنفى حول العالم، تتأمل الدائرة البحر في الهوية، والمدينة في الأنا؛ بمشاركة كلٍّ من: شذى الحاج، عبد الله البياري، إيمان حرم، عمر زكريّا، رزان خلف، فراس حمدان، ومازن فوّاز.

كذلك نظّمت ندوة حول أعمال الفنان العكيّ توفيق عبد العال ومعرضه "ترانيم البقاء"، بمشاركة الفنان ناصر السومي وطارق عبد العال وعدد من المشاركين، فيما أدارت الندوة الكاتبة رنا عناني، وندوة بمشاركة التّشكيليّة الفلسطينيّة سامية حلبي، المقيمة في مدينة نيويورك، للحديث عن أعمالها الفنية المتعلقة بيافا وفلسطين وحاورتها لارا عرفة.

محاضرات

عرض المهرجان ثلاث محاضرات مسجّلة، تناولت قضايا تتعلّق بمدن السّاحل الثّلاث، فقدّم البروفيسور محمود يزبك محاضرةً حول تاريخ تعمير فلسطين وتدميرها، من خلال العودة إلى أحداث مفصلية ساهمت في تشكيل طبيعة مدن الساحل الفلسطيني؛ بينما قدّم الباحث علي حبيب الله محاضرةً حول ملامح التوتر التاريخي لسكان ساحل فلسطين العرب مع بحرهم، ومن ثمّ تصالحهم معه حديثًا؛ كما قدّمت الباحثة د. منار حسن محاضرةً بعنوان "مغيّبات" حول علاقة النّساء بالمدن الفلسطينيّة قبل النّكبة وبعدها.

من ندوة "الهوية والمدينة والبحر" لمجموعة الدّائرة

ورشات

نظّمت الجمعيّة خلال أيّام المهرجان ورشتين، الأولى مع المصوّر الفلسطيني محمد بدارنة تحت عنوان "التصوير أداة للحراك الاجتماعي والسياسي"، سلطت الضوء على كيفية استخدام التصوير الفوتوغرافي في إنتاج مشاريع اجتماعية وسياسية وثقافية يكون لها أثر على الحراك المجتمعي؛ والثانية مع ميرنا بامية وعرضت خلالها "رحلة" عبر نكهات الساحل الفلسطيني وأكلاته وخصوصيته، بغية التفكير معًا بنسيج ثقافة الطعام بالساحل عبر موجات تنقلات الناس منه وإليه، عبر عدة وقفات زمنية.

مسابقات

ونظمت الجمعيّة مسابقتين على هامش المهرجان عبر تطبيق "إنستغرام"، الأولى مسابقة القصص المصوّرة "يوميّات على السّاحل" والّتي تستمرّ حتّى نهاية الشّهر الجاري؛ والثّانية مسابقة يوميّة عبر خاصّيّة "ستوري" يتمّ خلالها طرح مجموعة أسئلة تتعلّق بمدن السّاحل الثّلاث ومعالمها البارزة، وسيتمّ الإعلان عن نتائجها قريبا.

السياسات الثقافية

ونظمت الجمعية في اليوم الثاني من المهرجان، لقاءً تفاكريًا جمع عددا من المثقفين والأكاديميين والناشطين، في إطار السعي لصياغة تصوّر مستقبلي للسياسات الثقافيّة للفلسطينيين في الداخل، يهدف إلى وضع رؤية تقود العمل الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ48 وتحدد أولوياته وسياساته، في مختلف القضايا التي يتعامل معها الحقل الثقافي في ظل الظروف السياسيّة والاجتماعيّة التي يعيشها فلسطينيو الداخل.

وكان من بين الذين قدموا مداخلات خلال اللقاء الذي ترأسه مدير المهرجان ربيع عيد، كل من رئيس الهيئة الإدارية لجمعية الثقافة العربية أنطوان شلحت، ومدير مركز مدى الكرمل د. مهند مصطفى، والنائب عن حزب التجمع والقائمة المشتركة سامي أبو شحادة، والباحثة الفلسطينية نسرين مزاوي، والكاتب محمد قعدان، والناشط تامر عاصي، الشاعرة دارين طاطور. وتقرر في ختام اللقاء متابعة العمل على هذا المشروع في جمعية الثقافة العربية خلال عام 2021.

أيّام تطوّعيّة

إلى جانب برنامجها الرّقميّ، نظّمت الجمعيّة خلال المهرجان ثلاثة أيّام تطوّعيّة لطلّاب منحة روضة بشارة عطا الله، بالتّعاون مع حراكاتٍ شبابيّة في كلّ من المدن الثّلاث؛ في عكّا بالشّراكة مع مجموعة عكّا 5000 حيث شارك المتطوّعون في صيانة أحد جدران البلدة القديمة واستمعوا إلى محاضرة من منسّق مشروع الحفاظ على التراث المبني في الجمعيّة الباحث د. رامز عيد؛ وفي حيفا بالتّعاون مع حركة شباب حيفا ومتولّي الوقف الإسلاميّ حيث تمّ العمل على ترميم مقبرة الاستقلال ومن ثمّ عقدت محاضرة مع المحامي والناشط خالد دغش، وفي يافا بالتّعاون مع النّادي الكشفيّ الإسلاميّ حيث تمّ ترميم مقرّ النّادي ومن ثمّ قدّم النّاشط محمد قندس محاضرة للطّلّاب.



ملفّ السّاحل

كذلك تعاونت جمعيّة الثّقافة العربيّة مع فُسحة- ثقافيّة فلسطينيّة ومجلّة "رُمّان" الثّقافيّة، في نشر موادّ ونصوص تناولت قضايا متنوّعة من جوانب مختلفة تتعلّق بمدن السّاحل الفلسطينيّة، وبشكل خاص، كلًّا من المدن الثّلاث: عكّا، وحيفا، ويافا، بهدف تسليط الضوء على القضايا الثقافيّة المتعلّقة بمدن وقرى الساحل الفلسطينيّ، ما بَقِيَ منها وما هُجِّر، حيث نشرت كلتا المجلّتين ما يزيد عن خمس عشرة مادّة لعدد من الكتّاب والباحثين والباحثات.

وأكد رئيس الهيئة الإدارية لجمعية الثقافة العربية، أنطوان شلحت، أن النجاح الكبير الذي لقيه المهرجان منذ يومه الأول وعلى مدار أيامه كافة يشكل دليلاً على انسجام رسالته مع الاستجابة العامة للتحديات الثقافية الماثلة أمام المجتمع الفلسطيني في الداخل من طرف شرائح كبيرة في أوساطه، وهذا يثبت ضرورة التعويل على رسالته للدورات المقبلة، والمتمثلة بالأساس في الحفاظ على الثقافة الفلسطينية في علاقتها المباشرة مع الهوية والتراث والتاريخ والزمن الحاضر. ووجه شكرًا خاصًّا إلى الداعمين، وكل المشاركين في فقرات المهرجان، وأشاد بالجهود التي بذلها طاقم الجمعية واصفًا إياها بأنها استثنائية نظرًا للظروف الخاصة التي عقد فيها المهرجان وكانت بحد ذاتها بمثابة تحدّ كبير.

يمكن الاطّلاع على أرشيف نشاطات المهرجان عبر الموقع المخصّص له: https://festival.arabca.net/