ببالغ الحزن والأسى، تنعى جمعيّة الثقافة العربيّة الفنان والراقص أيمن صفية (29 عامًا) ابن قرية كفرياسيف وابن فلسطين، الذي قضى غرقًا هذا الأسبوع عند شاطئ قرية عتليت المهجّرة قضاء حيفا. تابع أبناء شعبنا خلال الأيّام الماضية عمليّات البحث عنه وساهموا فيها بشكل منقطع النظير من كافة البلدات العربيّة، في مشهد يعكس محبة الناس لأيمن ويعبّر عن وحدانية النسيج الاجتماعي الفلسطيني في الظروف العصيبة، خصوصًا في ظل الحديث عن تقصير الشرطة في البحث عنه.
شكّل الفنان أيمن صفية منذ بداية مسيرته الفنيّة المبكّرة حالة فريدة ومميزة، اختار فيها الدخول إلى عالم رقص الباليه في الوقت الذي كان يُنظر إلى هذا النوع من الرقص كرقص وفنٍ للإناث فقط، لكن بتحدٍ من أيمن ودعم من عائلته، استطاع كسر تابوهات مجتمعيّة ليصبح أول راقص باليه فلسطيني، واستطاع في النجاح في هذا المجال ليصبح راقص باليه محترف في سنٍّ مبكّرة ويبلغ العالميّة.
بعد دراسته في عدد من مدارس الرقص في البلاد، توجّه إلى صفية إلى لندن وأقام فيها مدّة 6 سنوات، حيث درس في "مدرسة رامبريت للباليه والرقص المعاصر"، وشارك في عروض ومشاريع مختلفة، ثمّ التحق بمشرع "بَدْكِة" (2013)، من إنتاج "مؤسّسة عبد المحسن القطّان" و"المسرح الفلمنكيّ البلجيكيّ" و"فرقة لي باليه سي دي لابيه"، الّذي أسفر عن عرض راقص شاهده عشرات الآلاف في أكثر من 100 حدث حول العالم، وهو عرض يستلهم الموروث الفلسطينيّ ويدمجه بأنواع رقص من مدارس فنّيّة معاصرة مختلفة.
كما شارك في عروض عديدة، منها الكلاسيكية، والمعاصرة، بالإضافة إلى المسرحيات الغنائيّة، في عدد من المسارح الشهيرة في برودواي وغيرها. وعمل صفية مع مصممي رقص وفنانين، محليًا وعالميًا، بينهم مصممة الرقص البريطانيّة دام جيليان لين التي ارتبط اسمها بأشهر عرضين في برودواي أي Cats وThe Phantom of the Opera. وعمل مع فرقة الرقص الفرنسية le Ballets C de la B(واحدة من أشهر فرق الرقص الداعمة لحركة المقاطعة الثقافية)، كذلك فإن أيمن صفية عمل على تنظيم مخيم للرقص في مدينة حيفا، هو عضو في فرقة "يا سمر" للمسرح الراقص، وقدّم تدريبات وورشات رقص في عدة مدارس وأماكن في فلسطين.
يُذكر أن الفنان صفية كان يُحضّر مع مجموعة فنانين فلسطينيين على مشروع فني تحت عنوان "مختبر أدائي"، وهي تجربة لإنتاج عرض أدائي خاص لجمعية الثقافة العربيّة خلال مهرجان المدينة للثقافة والفنون القادم. وهو عرض يتناول موضوع مدينة حيفا والهويّة الاجتماعيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطيني من خلال التجارب الشخصيّة للفنانين في السياق السياسي والاجتماعي والثقافي، بأسلوب يدمج الرقص والسيرك والغناء وفن الإلقاء. وشاءت الظروف برحيل صفية أن لا نراه مشاركًا في هذه التجربة الفنيّة الجديدة.
تتقدم جمعيّة الثقافة العربيّة إلى عائلة الفقيد وأصدقاءه ومحبيه وإلى عامّة أبناء شعبنا، بخالص مشاعر التعزية والمواساة.
سلامٌ لروحه الطيبة، ستبقى مسيرته الفنيّة محفورة في ذاكرتنا، ورافعة وملهمة لأجيال حالية وقادمة من فنانين وراقصين. وتدعو جمعيّة الثقافة العربيّة إلى توثيق أعماله وحفظها وتخليد هذه التجربة الفنيّة الفريدة التي مهّدت الطريق للعديد من الموهوبين والفنانين الشباب لخوض غمار عالم الفن والرقص.
فلترقص بسلام يا أيمن..