مؤتمر "تعلّموا العربيّة وعلّموها الناس"


عقدت جمعية الثقافة العربية بالاشتراك مع الاتحاد القطري لأولياء أمور الطلاب العرب يوم الجمعة 06.11.2009 في قاعة سينماتك في مدينة الناصرة مؤتمرًا بعنوان "تعلّموا العربيّة وعلّموها النّاس".



 تعتبر جمعية الثقافة العربية أن معالجة إشكالية تدريس اللغة العربية والتعامل معها قضية وطنية من الدرجة الأولى، بسبب إشكاليات وأزمات تتعلق بطبيعة اللغة العربية وطبيعة كتابتها إضافة إلى قضية الازدواجية اللغوية؛ في المؤتمر عرضت نتائج الأبحاث التي أشرف عليها طاقم من المختصين في اللغة العربية وأدب الأطفال.



 قامت جمعيّة الثقافة العربيّة بالمبادرة إلى مشروع " تعلّموا العربيّة وعلّموها الناس". عن أهداف المشروع، ذكرت الدكتورة روضة عطا الله - مديرة جمعية الثقافة العربية:



 المشروع المطروح يهدف إلى الحفاظ على" الوعي الفلسطيني"، الذي تعمل إسرائيل منذ قيامها، وستستمر، على سلبه، عن طريق تشكيل وعي "عربي إسرائيلي" يعزّز من تبعية المجتمع الفلسطيني للمشروع الصهيوني، ولأجهزة الدولة العبرية. بالتالي تعرف قضية السيطرة على جهاز التربية والتعليم كقضية إستراتيجية أولى من قبل السلطات الإسرائيلية، وكوسيلة للسيطرة على آفاق تطور المجتمع الفلسطيني. اعتمدت إسرائيل منذ نشأتها على مناهج التربية والتعليم كأحد أهم الأدوات لتحقيق هذا الهدف، ولا تكون السيادة على جهاز التربية والتعليم عبر تحريره من أجهزة الدولة العبرية فقط، بل أيضا عبر إعادة صياغته بطريقة عصرية ووطنية. فقد "نحرر" بعض عناصر هذا الجهاز من أيدي الدولة العبرية، ليعود ويدخل ضمن رؤيا جامدة غير وطنية– طائفية أو قبلية- بالضرورة، أو خارجة عمّا نؤمن به من قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والحريات الفردية. بالتالي لا تكتمل قيمة ومعنى تحرير ما أمكن من عناصر هذا الجهاز، إلا إذا استبدلنا تلك العناصر بعناصر تربوية تنسجم مع ملامح المشروع الوطني والديمقراطي الذي نؤمن به كمجتمع.



طلاّبنا يدرسون آلاف الأخطاء!



بلغ "مجملُ الأخطاء الإملائيّة، والنّحويّة، والصّرفيّة، والأصواتيّة، واللّغويّة المعجميّة، والتّقعيديّة 892 خطأً، ولا يشمل هذا العددُ أخطاءَ قطع همزة الوصل الأولى إملاءً، ولا وضعَ تنوين الفتح على الألف، فلو شُملت هاتان الظّاهرتان الخطيرتان لزادتِ الأخطاء عن 4000!" (د. إلياس عطا الله)



بادرت "جمعية الثقافة العربية" إلى مشروع دراسة تفصيلية دقيقة لكتب تعليم العربية لجيل الطفولة المبكرة حتى الصّفّ الثاني حيث بناء الأساس، ودراسة كتب الأطفال - موضوعًا ولغةً، والتحديات التي تواجه المعلّم/ة والقارئ الصغير. لقد تعاطت الجمعية مع الواقع الراهن للغة العربية بجدّية غير مسبوقة، وجندّت خمسة من خيرة الباحثين في اللغة العربية وهم: الدكتور الياس عطا الله، الأستاذ الأديب حنا أبو حنا، الأستاذة روزلاند دعيم، الأستاذة نادرة يونس، والأستاذ زاهي سلامة، لإجراء بحث معمّق، ولرصد ما جلبته كتب التدريس على الطلاب.



وقد وصف الأديب والكاتب حنا أبو حنّا النتائج في كلمةٍ ألقاها أثناء افتتاح المؤتمر بأنَّها "أشبه بزلزلةٍ يجب أن تستثير كل مؤسسةٍ وكل فرد للتعاون وتضافر الجهود لتغييرالوضع."، مضيفًا أنَّ "أساس بناء التعليم في المدرسة العربية "عائب"، وكتب التعليم حافلة بالأخطاء غير المطبعية والمطبعية"



آلاف الأخطاء



من يقرأ التقرير الشامل سيكتشف نهجًا لم تلده الصدفة، وحتى لو أراد المرء الابتعاد عن "نظريات المؤامرة" فإنَّ تلك النظريات ستقوده حتمًا إلى اتجاه تفكير واحد: ما يجري اليوم هو نتاج لسياسة تجهيل متعمّدة من القائمين والمسئولين عن هذه الكتب، وعلى هذا يتربى أولادنا. وبلغ "مجملُ الأخطاء الإملائيّة، والنّحويّة، والصّرفيّة، والأصواتيّة، واللّغويّة المعجميّة، والتّقعيديّة 892 خطأً، ولا يشمل هذا العددُ أخطاءَ قطع همزة الوصل الأولى إملاءً، ولا وضعَ تنوين الفتح على الألف، فلو شُملت هاتان الظّاهرتان الخطيرتان لزادتِ الأخطاء عن 4000! هذا فقط في بعض كتب تدريس الصّفّ الثاني.



لم يكترث الباحثون لأسماء المؤلفين، لم تكن هذه هي القضية الهامّة بالنسبة لهم بمقدار ما تحمل الكتب من أخطاء. وأشار الدكتور إلياس عطاالله، أحد أبرز الباحثين في اللغة العربية لدى فلسطينيي الـ 48 والعالم العربي، إلى أنَّ "الادّعاء بأنّ الأخطاء مراتبُ ودرجاتٌ مردودٌ على قائله، فالخطأ خطأ. مضيفًا "إنّ تعريض الطّفل لهذا الكمّ الرّهيب من الأخطاء في كتابة الهمزة والتّاء المربوطة والهاء، وفي الصرف، والنحو، يؤتي أُكُلَه سُمّا". وأوضح د. عطا الله: " لست ممّن ينادون بتدريس أيّ قاعدة للطّفل في هذه السّنّ المبكرة... ولذا أرفض كلّ ما يأتي بشكل قواعد وقوانين ينفر منها الكبار قبل الصّغار، فكيف إن كانت هذه القواعد خطأ برمّتها؟" متسائلاً: "أطفالُنا يستحقّونَ الأفضل والأرقى والأجدى، فمن المسئول عن هذا التشويه والتّردّي؟"



وعن مراجعته لكتب الصّف الثاني الابتدائي قال تعمّدنا أن نختار عيّنة من الكتب المستعارة من بعض التلاميذ، وساءني أنّها كتب تدريس وكرّاساتُ عمل في آنٍ- عدا اثنين-، فانضافت إلى أخطاء الكتب أخطاء من كتابة المعلّم/ ة.



وأضاف أن تفصيلا بالأخطاء مع تحديد الصّفحة، والكمّ، والتّصويب، في التّقرير الداخليّ في جمعيّة الثّقافة العربيّة، وهو تقرير من خمسٍ وخمسين صفحة. فقد يسقط الخطأ على الطّباعة وعوامل فنيّة تقنيّة! فهل يجوز تعريض الطفل لهذا الكمّ من الأخطاء. وإن كان الأمر تقنيّا مطبعيّا، فما معنى إثبات أسماء المراجعين والمدقّقين والضّابطين بالشّكل؟ وتتّسمُ الكتب جميعُها باللامنهجيّة اللّغويّة، وفي علومِ اللّغة كافّة.



 



الكتُبُ المُراجَعَةُ، وعَدَدُ الأخْطاءِ (أسماء الكتب كما وردت في الأصل)



0.كراس في المفاهيم الهندسيه(الهندسيّة) للصفين أول- ثاني(الأوّل- الثّاني)(220+).



0.كراس عمل لكتاب الرائد- الصف الثاني الابتدائي(152+).



0.الرائد للصف الثاني الابتدائي(16).



0.مبادىء(مبادئ) القراءة الحديثة – للصفّ الثاني(80+).



0.أنا أقرأ أنا أفكر. الدليل في فهم المقروء للصف الثاني(90).



0.كُلُّ واحِدٍ وَعائِلَتُه( موضوع في تعليم الموطن والمجتمع)(84).



0.لتكن سليمًا(127).



0.فصول السنة(123).



وأنهى بقوله: "لماذا نحن بحاجة إلى ترجمة كتب التّدريس عن العبريّة؟ هل نفتقر إلى العقول المبدعة في شتّى ميادين العلم؟" أمّا بصدد الكتب التي راجعها فقال:" أستعير من مطويّة أنظمة الصيادلة التي نجدها في ما نشتريه من أدوية: يجب الحفاظ على" هذه الكتب" في مكانٍ مغلق، بعيدًا عن متناول أيدي الأطفال".



إستراتيجيّات متناقضة



وبما يتعلق بالأدب، فقد تمّ مسح 384 كتابًا من كتب الأطفال الصّادرة في البلاد، وذلك بهدف الاطّّلاع على المستوى العامّ لأدب الأطفال من جهة المضامين والفكرة، اللّغة (سلامة وسلاسة وسهولة/ صعوبة اللّغة)، الشّكل والرّسوم، والهويّة.



وقال الباحث الأستاذ زاهي سلامة:" وجدنا أثناء القراءة تجاوزات عامّة في المسح منها: عدم الالتزام بضبط القصّة بالشّكل التّامّ. تكرار ظاهرة الخلط بين همزة الوصل والقطع. الإكثار من أسلوب الإطالة والحشو. عدم استعمال علامات التّرقيم بالشّكل الصّحيح. استعمال قاموس لغوي صعب لجيل الطّفولة. إقحام الوزن على النص عنوة. تكرار ظاهرة الأخطاء اللّغويّة بشكل كبير(على الرّغم من وجود التّدقيق اللغويّ)، أو الأخطاء المطبعيّة، وتجاوزات لغوية أخرى كثيرة، وهنا لا بدّ من السؤال: متى وكيف نحقق الهدف؟ ولماذا لا نسعى إلى تصحيح التلف ما دمنا قد تنبهنا إلى وجوده؟".



وقد شمل المشروع دراسة حول الصعوبات التي تواجه الطالب في الصفوف الدنيا في تعلّم اللغة العربيّة، بواسطة استمارة وزّعت على معلّمات الصفوف الدنيا (287 ) من 24 مجمّعا سكانيّا في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر. وقد عملت على تحليل الدراسة الاستاذة نادرة يونس وعرضت نتائجها خلال المؤتمر.



 وجدت الباحثة روزلاند دعيم التي بحثت كتب منهاج وتدريس الصّف الأوّل الابتدائي، أن طرائق تدريس اللّغة العربيّة المتّبعة: الطّريقة التّركيبيّة، الطّريقة التّحليليّة (الكلّية) والطّريقة المزدوجة. وهي الطّريقة المتّبعة في العالم العربيّ وفي البلاد. إلاّ أنّ اتباع الطريقة المزدوجة لا يعني أبدًا الانتقاص من أسس إحدى الطريقتين المذكورتين بل الدمج بينهما، ويحتم معرفة الطريقتين بشكل جيد. ولكن ليس هذا ما نجده في كتب التدريس. ومن نماذج المشاكل التي تعيق تحقيق عملية القراءة في كتب التّعليم للصّف الأوّل:



التّقطيع غير الصّحيح وينبع ذلك من انعدام المنهجية في ضبط الكلمات بالشّكل. وتجاهل المفعول به وعدم رسم تنوين الفتح في المواقع الّتي تتطلّب ذلك: باع عنان عنب / ملك أكلت كباب / رَأت شادِيةُ فَراش / رَأى راشِد فَراش / أكلت رشا مشمش / زرع عنان نعنع / باع عنان عنب. بالإضافة إلى عدم المنهجيّة في رسم تنوين الفتح، فيظهر أحيانًا على الألف بدل أن يظهر على الحرف الّذي يسبق الألف. عدم المنهجيّة في رسم همزة الوصل وهمزة القطع والخلط بينهما: أرنبْ، أسدْ، ألأسدْ، إبن، ألولد، أُرسم، إبدأ، إمسك، إشتاق، ألأزهار، ألمعلمة، ألأرض، ألبلد، ألنباتات، ألاستعداد، أَلمراحل، ألمثنّى، أُكتبْ، ألعكس، إفصِلْ، إِملأ، أُرسم، إِستخلاص / اجل، اعددنا، افعال، كانه، اهداف، الاسئلة، ان، الاول، اهداف، اسئلة، اسرته، او، الاضواء، اثاثا، اولاد، ان، الابحاث، ان، الاجابه، ارنب، افقي، الى، اكمل، اسماء / أو نجد السكون بدل همزة الوصل في كلمة اْلألعاب، اْلأوّل. وعدم رسم النقطتين على التاء المربوطة. والخطأ وعدم المنهجية في رسم الحروف. وأيضًا الخطأ في لفظ الحروف (بْ جْ حْ ...)، وقضايا جوهريّة تعيق عمليّة التعلّم والتّفكير (السفينة تسبح فوق الماء) وأضافت أن خلاصة القول أنَّ مؤلّفي الكتب يتبعون أساليب وطرائق وإستراتيجيات تعليمية متناقضة. ورأت، بناءً عليه، أنَّ هناك حاجة ماسّة إلى "إعادة طباعة الكتب بشكل صحيح، مع الأخذ بعين الاعتبار تعليم حروف المدّ الصوائت الطويلة وضبط أواخر الكلمات.



توصيات المؤتمر



1. التعامل مع الأخطاء اللغوية، ومع مضامين تعليم اللغة العربية في كتب التدريس في المدارس العربية في إسرائيل، كنهج متعمّد ومرفوض، ويوصي بالعمل على دراسة إمكانيّة تفعيل المسار القضائيّ لتصويب الأخطاء وتغيير الوضع القائم، وذلك لتحقيق حقوق أطفالنا في التعلّم، والعمل على عدة مستويات- التشريع، المرافعة الدوليّة، الجمعيّات الأهليّة، الإعلام، لجان أولياء الأمور والأهالي.



 



و حمّل المؤتمر مسؤولية الأخطاء والخلل في الكتب الدراسيّة جهات مختلفة، منها: وزارة المعارف، وقسم المصادقة على الكتب الدراسيّة، مؤلّفو الكتب، أفرادًا وطواقم، ومراجعوها، قسم المناهج، والمفتشون ذوو الصلة، مؤكّدًا على أهميّة التصحيح الفوريّ للأخطاء اللغويّة في المنهاج القائم، وبطباعة جديدة للكتب التدريسيّة تخلو من كلّ الأخطاء، في اللغة والمضمون.



2. مراجعة المناهج الجديدة لتعليم اللغة العربيّة، والتشديد على السلامة اللغويّة، والعناية بالنواحي الجماليّة في كتب التدريس، ومراعاة الصحّة الجسديّة، وأن يبنى على مضامين تربويّة تتلاءم مع هويّة الطالب القوميّة وخصوصيّته الثقافيّة. كما يوصي المؤتمر بالاهتمام الشديد بسلامة اللغة العربيّة في كلّ الكتب التدريسيّة لمختلف المواضيع.



3. حث مؤسّسات المجتمع الوطنيّة وأحزابه وممثلي الجمهور والمهتمين بالشؤون التربويّة والتعليميّة على زيادة الاهتمام بنوعيّة ومضامين المناهج ضمن نضالهم من أجل تحسين ظروف وجودة التعليم العربيّ.



4. وضع معايير واضحة لكتب الأطفال المصادق عليها في المدارس العربية، تشارك فيه المؤسسات العربية، تضمن مضمونًا تربويّا لائقًا ولغة عربيّة سليمة، وتراعي الذوق الجماليّ الفنيّ وتناسق الألوان ووضوح الخطّ وجودة الطباعة.



5. تكريس حصة اسبوعية في كل الصفوف بما في ذلك رياض الأطفال للمطالعة، بحيث يقرأ الصف ستة كتب سنويًا على الأقل علاوة على المطالعة الحرّة. إن المطالعة هي التي تضمن للأجيال أن تحيا مع اللغة الفصحى – لغة المعرفة والتعلم. وأن تقرن المتعة بالمعرفة كما أن المطالعة المنظمة بهذا الشكل تشكّل ارتقاءً نوعيّا للمسيرة التعليمية في مدارسنا.



6. تشجيع المعلمين والمعلمات العرب على المشاركة في الدورات المهنية في اللغة العربية السليمة- وبضمنها، تلك التي تعقدها الجمعيّة سنويّا- والاطّلاع على إصداراتها المطبوعة والمسجّلة. ودعا المؤتمر الهيئات ذات الصلة لإقامة لجنة مهنية لمراقبة وتقييم مناهج تعليم اللغة العربية، وسائر المناهج لكلّ ما كتب بالعربيّة ولكل المراحل التعليمية، وتشخيص الأخطاء في اللغة والمضمون في الكتب التدريسيّة وكراسات التطبيق، والعمل على تصحيح الأخطاء واستبدال المناهج.



تم عرض كتب قصص الأطفال الموصى بها من اللجنة والتي تجاوبت مع المعايير التربوية واللغوية، وكتب مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي - رام الله.



ويذكر أن المشروع بتمويل من مؤسسة التعاون.