اختتام اضطراريّ للموسم الثّالث من سينما الانشراح

اختتمت جمعيّة الثّقافة العربيّة مساء الخميس الموسم الثّالث من "سينما الانشراح" مع عرض فيلم "للرّجال فقط"، مع إرجاء الفيلمين الأخيرين الّذين كان من المُقرّر عرضهما يومي الخميس والسّبت الأسبوع القادم، بسبب الإغلاق المفروض نظرًا لانتشار جائحة فيروس كورونا المستجدّ.

وكانت الجمعيّة قد عرضت خلال الأسبوعين الماضيين ثلاثة أفلام من أصل خمسة كان يفترض عرضها، وأوضحت مركّزة المشروع، دارين عمّوري، أنّ الأفلام "تدور كلّها حول قضايا المرأة والجندريّة، بقوالب تتنوّع بين الدّراما والكوميديا، وتضمّ كوكبة من نجوم الخمسينيات والسّتّينيات، ورغم مرور قرابة نصف قرن على إنتاج معظم هذه الأفلام، إلّا أنّها تعالج قضايا لا تزال راهنة".

وقد افتتحت سينما الانشراح موسمها الثّالث بفيلم "الآنسة حنفي" (1954) من إخراج فطين عبد الوهّاب وبطولة إسماعيل ياسين وماجدة، ويحكي عن شاب يمرّ بعمليّة تحويل جنسيّ ليتحوّل من "حنفي" الذّكوريّ الّذي يقمع زوجة أبيه وابنتها لكونهما نساء، إلى "فيفي" الّتي تبدأ كأنثى بالمعاناة من القوانين الّتي وضعها حنفي.



أمّا الفيلم الثّاني فهو فيلم "شيء من الخوف" (1969) للمخرج حسين كمال، ومن بطولة شادية ومحمود مرسي ويحيى شاهين؛ وهو يحكي عن "عتريس" المستبدّ الّذي يتزوّج "فؤادة" رغمًا عنها، عدا عن جرائم القتل الكثيرة الّتي يرتكبها بحق أهل قرية "الدّهاشنة". والفيلم لا يعالج فقط قضيّة زواج "عتريس" من "فؤادة" وضغط المجتمع عليها، بل يعالج بشكل أعمق قضيّة القمع السّياسيّ وخوف الشّعوب من الحاكم المستبدّ وكيفيّة التّغلّب على هذا الخوف.



ويحكي الفيلم الثّالث "للرّجال فقط" (1964) وهو من إخراج محمود ذو الفقار وبطولة سعاد حسني ونادية لطفي وحسن يوسف، عن الوظائف الّتي تُعدّ "للرجّال فقط" وتُمنع النّساء من العمل فيها، ويروي قصّة شابّتين تتحدّيان هذه العقليّة النّمطيّة وتنجحان بكسرها.



أمّا الفيلمان الأخيران اللّذان أُجِّل عرضهما إلى أجل غير مسمّى حتى الآن، فهما فيلم "الحرام" (1965) للمخرج هنري بركات وبطولة فاتن حمامة؛ ويتناول قضيّة الاغتصاب وما يسمّى "شرف العائلة" بقالب دراميّ؛ بينما يحكي الفيلم الأخير "مراتي مدير عام" (1966) من إخراج فطين عبد الوهّاب وبطولة شادية وصلاح ذو الفقار، قضيّة تقدّم المرأة في عملها ووصولها إلى مناصب عليا، وتأثير هذا على علاقتها بزوجها الّذي يعمل بمنصب أقلّ منها.

حاولت سينما الانشراح في هذا الموسم أن تتناول عدّة قضايا ذات عامل مشترك يدور حول النّوع الاجتماعيّ وتأثيره على حياة الإنسان عامّةً والمرأة بشكل خاصّ، بينما تناول كلّ فيلم المحور نفسه من زاوية مختلفةٍ ومتجدّدة، لتكوّن معًا نظرةً موسّعةً للمفاهيم المتعلّقة بهذه القضايا، إلى جانب التّطرّق لقضايا أخرى لا تنفصل عنها.

ومن جهتها قالت عمّوري إنّ "الموسم الثالث من سينما الانشراح ناقش مواضيع جندرية ونسوية، وجاء اختيار الأفلام ضمنه والمحور الّذي تدور حوله نظرًا لأهميتها في الفترة الأخيرة في المجتمع الفلسطيني"؛ وأضافت: "شعرنا أنّ من المهمّ إبراز هذة الأفلام الّتي تناقش مواضيع قد تعتبر ‘تقدّميّة‘ مقارنةً بالفترة التي أُنتِجَت فيها".

وأكّدت مركّزة المشروع أنّه "كان من المهم لنا في الجمعيّة أن نعيد التجربة تحديدًا خلال الظروف الراهنة: فالقطاع الثقافي في جميع البلاد هُمِّش منذ بداية جائحة كورونا، والتّوتّر في الأماكن العامة سيطر على الجميع؛ لذا أردنا أن نعيد الأجواء الإيجابيّة والنشاطات الثقافيّة والترفيهيّة للمجتمع الفلسطينيّ في حيفا، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع القيود وتعليمات السّلامة من وزارة الصحة".



وأوضحت عمّوري أنّ "سينما الانشراح" قد "وفّرت فرصة مشاهدة جماعيّة لأفلام كلاسيكيّة مهمّة من السينما العربيّة والمصريّة خلال فترة جائحة كورونا المتوتّرة" وأكّدت أنّه "كان هدفنا إقامة العروض على أكمل وجه حتى يشعر الناس خلال العرض بالأمان، وهذا كان همّنا الأساسي. للأسف مع القيود الإضافية التي ستبدأ يوم الجمعة 18/09 سنضطر لتأجيل آخر فيلمين للموسم الثالث وهما ‘مراتي مدير عام‘ و‘الحرام‘، ولكن هذا لا يعني بأننا لن نعود في أقرب وقت ممكن لإكمال الموسم، بالإضافة إلى مواسم جديدة مع قضايا وأفلام متنوّعة من العالم العربي".

"سينما الانشراح"

سُمّيت على اسم "بستان الانشراح"، من أبرز متنزهات حيفا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الفائت، وكان يتولى إدارته طنوس سلامة وإخوته، ويحتوي على ما يلهي المرء عن متاعب الحياة. كان البستان يشقه في الطول، شارع البنوك، ويمتد من شارع اللّنبي في أعلاه إلى شارع يافا في أسفله، وعرضه بحجم طوله. وقدّم هذا المتنزه خدمات جليلة إلى سكان حيفا كونه الملهى والمتنفس الوحيد لهم. وفيه أُسمع غناء أم كلثوم ومنيرة المهدية، وقُدمت مسرحيات يوسف وهبي، وفرقة عكاشة الهزليّة، وغيرهما من الفرق التمثيليّة والفكاهية العربية.



وتطمح سينما الانشراح إلى أن تستعيد نقطة زمنيّة مفقودة في تاريخ الثقافة العربيّة الحديثة لتنطلق منها إلى نقاط زمنيّة أخرى؛ عبر فتح المجال لمشاركة جميع أفراد المجتمع من كافة الأجيال والخلفيات، كما تهدف لإكمال التجربة الجماعية الثقافية في الحيّز العام الفلسطينيّ في مدينة حيفا، وتعزيزها وتقويتها في ظلّ محاولات الأسرلة ومحو تاريخ المدينة العربي والفلسطيني.