الآلاف يحتفلون باللغة العربيّة في مهرجان "لغتي هويّتي"


لم تقتصر أجواء العيد الاحتفاليّة في عكا خلال عيد الفطر السعيد هذا العام على الحناطير والألعاب الترفيهيّة والمطاعم والجولات البحريّة، فقد أضفى مهرجان "لغتي هويّتي" جوًّا احتفاليّا ثقافيّا خاصّا على المدينة، وأضاف معنى جديدًا للقاء العيد، وأوصل رسالة وطنيّة ثقافيّة لجموع المحتفلين بأبهى الأساليب الفنيّة.



 



عكا



شعارات المهرجان تزيّن بوّابات عكا وأسوارها، أعلام المهرجان التي تحمل اسمه ترفرف على جوانب الطرق، عشرات المتطوّعين يتوزّعون على طريق الميناء؛ يبيعون الكتب ويوّزعون برنامج المهرجان ومجلّته، ويوّزعون البالونات التي تحمل اسم المهرجان على الأطفال بعد أن رسموا الفرحة على وجوههم، فعلاً ومجازًا، الحكواتي يقصّ حكاية عن الصالح والطالح، والتذاكر تباع لمسرحيّة "ظاهر العمر" وتعيده لمدينته بسورها الذي بناه لتكون قلعة المتوسّط، وتعيده لذاكرة أهل المكان. روّاد معرض الخطّ يفكّون الكلمات المترابطة عن بعضها ويحتارون بين "الكوفيّ" و"الرقعة"، والجموع تتدفّق في الطريق الذي يفضي إلى الميناء، والبهجة تلبس هذا العام حلّة مغايرة حوّلت لغة الأمّ إلى عروس العيد.



تزيين



 



رسم على الوجوه



لقد دمجت الأجواء الاحتفاليّة الجماهيريّة البهيجة فرحة العيد السعيد بالاحتفال الثّقافيّ والفنيّ باللّغة العربيّة، فقد شارك الآلاف في مهرجان "لغتي هويّتي" الذي نظّمته جمعيّة الثّقافة العربيّة في مدينة عكا، يوم السبت 11.09.2010 ثاني أيام عيد الفطر السعيد، حيث لاقت فعاليات المهرجان المسرحيّة والفنيّة والأدبيّة والشعريّة والترفيهيّة، التي توّزعت على مدار النهار في قاعات ومحيط مسرح "اللاز"، إقبالا جماهيريّا واسعًا، كما توّجت فعاليات المهرجان بحفل تكريم الدكتور إلياس عطا الله، وبأمسية فنيّة موسيقيّة وكوميديّة أقيمت في بستان الباشا.



سبق تنظيم فعاليات يوم المهرجان إصدار مجلّة خاصّة به تحمل عنوانه؛ "لغتي هويّتي"، وتوزيعها بأكثر من عشرين ألف نسخة قطريّا، ضمّت المجلّة بين صفحاتها موادّ أدبيّة ومقالات وضّحت رسالة المهرجان حول العلاقة العضويّة بين اللّغة والهويّة القوميّة والثقّافة بشكل عامّ، وفي سياق الواقع الفلسطينيّ في الداخل على وجه الخصوص، حيث تناولت المجلة محاور عدّة: اللّغة والأدب، اللّغة والشعر، اللّغة والفنّ، الخطّ العربيّ، العبرنة ومواضيع أخرى ذات صلة، وقد شارك في المجلّة: الشاعر والأديب حنا أبو حنا، د. إلياس عطا الله، د. جريس نعيم خوري، الكاتب إياد برغوثي، الفنانة الأستاذة أميرة الديك، المربّي الأستاذ حنا نور حاج، المحامية أماني إبراهيم، الشاعر علي نصوح مواسي، كما كتبت كلمة المجلة د. روضة عطا الله، مديرة جمعيّة الثّقافة العربيّة، ويشار إلى أنّ المجلّة صدرت بدعمِ عددٍ من شركات خاصّة ومؤسّسات تجاريّة عربيّة: قهوة النخلة، نزارين تورز، مشروب الطاقة "بلو"، مطعم دنيانا وقاعة دنيانا كوين، شفروليت سروجي موتورز، وطحينة الأرز.



لقراءة المجلة اضغط/ي هنا



وجاء في مقدّمة المجلّة أن مهرجان "لغتي هويّتي" يشكّل "جزءًا من المشروع الثقافيّ التربويّ في جوهره وهويّته ومضمونه ونهجه، والحضاريّ والعصريّ في رؤيته وتوجّهاته، للإسهام في تطوير وتعزيز اللغة القوميّة ودعمها ونشر الثقافة العربيّة والحفاظ عليها بصفتها لغة وتراثًا، وللعمل على تطوير أدوات ثقافيّة تشجّع التعليم والنموّ الثقافيّ لدى الناشئة من خلال تشجيع القراءة باللغة العربيّة وتحفيز الإبداع. كما يأتي هذا المهرجان مساهمة منا في دعم لغتنا وليكون مؤازرًا لانطلاقة مشروع عربيّ أقرّته "مؤسّسة الفكر العربي" في كانون الأول 2009 والذي يُعنى باللغة العربيّة تحت اسم (عربي 21) حيث يركّز على تغيير الصورة النمطيّة للغة الأمّ عند الأطفال والشباب وسيشمل كافّة الدول العربيّة".



معرض الكتب



بدأت فعاليات المهرجان في الساعة العاشرة صباحًا بفتح أبواب معرض الخطّ العربيّ أمام جمهور المحتفلين بالعيد وزوّار المهرجان في مقرّ دار الفنون في عكّا، المحاذي لمسرح "اللاز"، حيث عرضت فيه لوحات رائعة لفنّ الخطّ العربيّ من إبداع الخطّاطَين الفنّانَين: كميل ضوّ، وطارق شريف. كما افتتح في الساعة نفسها معرض الكتاب العربيّ الذي جمع على طاولاته مجموعة مختارة من الكتب الأدبيّة والفكريّة المنتقاة للصغار والكبار، وإلى جانب معرض الكتب كان معرض خاصّ للبلوزات المكتوب عليها أبيات شعر عربيّة قديمة وحديثة.



 



معرض الخط



كما عرضت على خشبة مسرح اللاز في الساعة الثانية عشرة ظهرًا مسرحيّة "ملكة الثلوج" للأطفال، من إنتاج مسرح "المرايا" في المغار، وهي من تأليف وإخراج الفنّان عدنان طرابشة، وتمثيل الفنّان نهد بشير. وقدّم الفنّان لطف نويصر، في الساعة الثالثة، والساعة الخامسة عصرًا، عرض الحكواتي الذي مزج فيه حكايتين شعبيّتين مشوّقتين: "شجرة الأسرار" و"بساط الريح"، كما قدّمت الفنّانة حنان سوسان، في الساعة الرابعة، فعاليّة حركة ترفيهيّة للأطفال.   



الحكواتي



 



 



حنان



وقدّم مسرح "اللاز" للجمهور مسرحيّة "ظاهر العمر الزيداني"، التي تحكي سيرة القائد العربيّ ظاهر العمر الزيداني، حاكم شمال فلسطين في القرن الثامن عشر ومجدّد العمران في عكا والجليل، وتسرد من خلال حبكة مسرحيّة دراميّة مثيرة مشوّقة أهم المحطّات التاريخيّة في حياته المليئة بالأحداث والشخصيّات والقصص، وهي من تمثيل الفنّانين: ميسرة مصري وعبدو متى.



ضاهر



 



وفي الساعة السادسة مساء انتقلت فعاليات المهرجان إلى حدائق "بستان الباشا" بجانب قلعة عكا وجامع الجزّار، حيث أحيَت فرقة "البيادر" للزجل الشعبيّ أمسية زجليّة، شارك فيها الشعراء الزجّالون: شحادة خوري، وائل أيّوب، نائل صبّاغ، توفيق حلبي، واستمرت الفقرة الزجلية مدّة ساعة ونصف ملؤها الحماس والمتعة من هذا الفنّ الأصيل.



الأمسية



 



 



زجل



وافتتحت الأمسية الفنيّة الاحتفاليّة في مهرجان "لغتي هويتي"، التي تولّت عِرافتها الإعلامية رشا حلوة، وحضرها أكثر من ألف مشارك، بحفل تكريم علاّمة اللغة العربيّة الدكتور إلياس عطا الله، تقديرًا لدوره الرياديّ الدّءوب في الدّفاع عن اللّغة العربيّة وحفظها، ولجهوده البحثيّة اللّغويّة المتميّزة، حيث سلّمه درع التكريم الشاعر الأديب حنا أبو حنا، الرئيس السابق لمجلس إدارة جمعيّة الثّقافة العربيّة، وبمشاركة أعضاء المجلس الإداريّ للجمعيّة: السيّدة الأستاذة راغدة زعبي (رئيسة)، د. جوني منصور، الأستاذ سامي أبو شحادة، والفنانة الأستاذة أميرة الديك.



 



تكريم



بدأ الأستاذ حنا أبو حنا كلمة التكريم باقتباس من المتنبي " إنمّا التهنئاتُ للأكفاءِ" وأضاف "والتهنئات هذه الليلة لمن نكرّم، ولنا نحن الذين حظينا أن يكون فينا هذا العلاّمة الذي ننعم بثماره ومحبّته وتفانيه في العطاء"، وشدّد أبو حنا على أن د. إلياس عطا الله قام من خلال أبحاثه ودراسته الرائدة بالتصدّي للأسس ومعالجتها وسبرها سعيًا لبناءٍ تاريخيٍّ ناقدٍ للّغة العربيّة قائمٍ على الحداثة، متفاعلٍ مع ما آل إليه علم اللغات الحديث من أبحاث ونظريات.



وفي ردّه على هذا التكريم شكر د. إلياس عطا الله مجلس إدارة الجمعيّة على كريم لفتتها، مشيرًا إلى أنّه يفتخر بهذا التكريم لأنّه آتٍ من جسمِ صدقٍ، ولأنّه في مدينة عكّا، حيث بدأ عمله أستاذا وهو في الثامنة عشرة من عمره، ثمّ سرد ذكريات مقتضبة عن عكّا وتيراسنطا، وعن طلاّبه ووثيق علاقته بهم، وعن بداية خروجه عن مناهج الوزارة، هذا الخروج الذي حاك " قصّة حبّ" مع أجهزة التحقيق الأمنيّة لخمسة عشر عامًا، وذلك جرّاء تدريسه طلبته "ممنوعات" كـ "لاميّة العجم" للطغرائيّ، وبعض قصائد المتنبي وعمرو بن كلثوم، قصائد تغرس في الطالب عزّة وإباءً وانتماءً وعروبة. أمّا عن المهرجان، فقد حيّا القائمين عليه، وأشار إلى ضرورة المحافظة على العربيّة بوجهيها الفصيح والمحكيّ، وقال: " أنا لا أخشى على العربيّة الفصحى من الدولة العبريّة، ولكنّني أخشى على عامّيّاتنا، فهي التي تتعرّض طوعا أو قسرا للعبرنة، وكم أخشى أن  يتكلّم الجيل الفلسطينيّ القادم لغة هجينا لا يعرفها أجداده، وعليه، وكي لا تصبح لغتنا متحفيّة، وضعت معجمي الجديد عن الأفعال الرباعيّة في لغة الجليل المحكيّة، والذي سيصدر قريبًا عن مكتبة لبنان في بيروت.



د. الياس



ثمّ قدّمت فرقة "ولّعت" العكاويّة باقة موسيقيّة رائعة ضمّت أغاني وطنيّة تحمل معاني البقاء والانتماء وروح الحياة البسيطة، كما احتوت الأمسية الاحتفاليّة على قراءات شعريّة قدّمها كلّ من الشاعر سامي مهنا، والشاعر علي نصوح مواسي، والطفلة الموهوبة علا طه، بالإضافة إلى وقفات كوميديّة ساخرة قدّمها الفنان أيمن نحّاس، والفنّان نضال بدارنة، كما قامت جمعيّة الثّقافة العربيّة، في نهاية الأمسية بإهداء نسخ من كتاب "وإذا الموءودة سئلت" لد. إلياس عطا الله لجمهور المهرجان.



 



ولعت



وقدّمت عريفة الأمسية، الإعلامية رشا حلوة، الشكر باسم جمعيّة الثّقافة العربيّة لكل من ساهم في إنجاح المهرجان وخصوصًا للمؤسسات الداعمة له: مؤسسة عبد المحسن القطّان للثّقافة والفنون، ومؤسّسة الجليل البريطانيّة، وفضائيّة "ميكس" الفلسطينيّة، بالإضافة إلى الشيخ عباس زكور، والمحامي أدهم جمل، نائب رئيس بلديّة عكا، والفنانين نبيل دوحا وفراس روبي من مسرح "اللاز"، والمصمّمين رشاد ديك وشادي اسليم.



وتجدر الإشارة إلى أن مهرجان "لغتي هويّتي" يأتي كمشروع ضمن برنامج اللّغة العربيّة في جمعيّة الثّقافة العربيّة الذي يشمل مشاريع عدّة، مثل مشروع "تعلّموا العربيّة وعلّموها النّاس" حول مراجعة كتب تدريس اللّغة العربيّة للطفولة المبكرة، والذي سيشمل مستقبلاً جميع الصفوف الدراسيّة،  بالإضافة إلى تنظيم دورات في اللّغة العربيّة المعياريّة السليمة وتيسير تدريس إملائها وقواعدها للمعلمين والمعلمات، ودورات في اللّغة العربيّة للصحفيين وأخرى لإعداد مرشدين ومرشدات للكتابة الإبداعيّة، وحملة تشجيع القراءة في المجتمع العربيّ التي ستنطلق في العام الدراسيّ الحاليّ.