أمسية ذكرى السّنة على رحيل الدّكتورة روضة بشارة عطا الله


تحت عنوان "الباقية معنا، الحاضرة فينا"، نظّمت جمعيّة الثّقافة العربيّة أمسيّة ثّقافيّة فنّية إحياءً لذكرى السّنة على رحيل الدّكتورة روضة بشارة عطا الله، وذلك مساء يوم السبت الماضي، العاشر من كانون الثّاني 2015، في قاعة بلدية شفاعمرو.



تخللت الأمسية الثقافيّة الوطنيّة كلمات تأبينيّة، وعرض "نسيم الرّيح" الموسيقيّ لفرقة معهد "إطار – للموسيقى والفنّون" من الرملة وإطلاق كتاب "المغيّبون".



" امرأة نسجت مسار البقاءِ قبل أن تلتقي بالغياب"

عند حوالي السّابعة مساءً، افتُتحت الأمسية بفيلم قصير عن حياة الدّكتورة روضة بشارة عطا الله، ومن بعده، رحبت الصحافيّة والمركزة الإعلاميّة لجمعيّة الثّقافة العربيّة، رشا حلوة، بالحضور، وقالت في كلمة التقديم: "يفرض الغياب نفسَه علينا، ما من ضيفٍ أثقلُ منه، ما من ضيفٍ يقتحمُ حياتنا بوقاحةٍ ويأخذُ أكثر ما نحبُّه، مثلَه، ما من ضيف يكسرُ أجنحة الروح مثلَه، هو الذي يأخذُ من نحبّ ويبقى حاضرًا، يعيدُنا إلى تعاليم الحياة الأولى، التي قتلها الوقتُ، ويضعنا أمام السّؤال الوحيد: كيف سنواصلُ السفر من هُنا؟".



وتابعت حلوة: "ربما لن نعرف الإجابة يومًا، لكنّ خيوط الإجابات تظهرُ في رحيلٍ، كرحيل الدكتورة روضة بشارة عطا الله، في امرأة نسجت مسار البقاءِ قبل أن تلتقي بالغياب، عندما بنت المستقبلَ بالحاضر الذي عاشته، وعندما أعطت كلَّ ما في قلبها للناس، للمكانِ والفكرة، لنقاوم فيها لاحقًا ثقل الغياب، المرافق لحياتنا منذ عقود، بالحجر والبشر، كما كتبت، بمبادئها وعملها وشغفِها للحياة، طريقًا يحفظُ الذاكرة، ويراكم المستقبل الوطنيّ، الثّقافي والتربويّ عليها، وينمو، ينمو وينمو، إنتصارًا للأمل."





" كانت روضة من رياض العطاء"

احتوت الأمسية عند بدايتها، مجموعة من الكلمات التأبينيّة، والتي بدأت مع كلمة مدينة شفاعمرو، قدمها رئيس البلدية، السيد أمين عنبتاوي، الذي رحب بالحضور، قائلاً: "مساء الثقافة لأنها الخير والنور، أعطني ثقافة أعطيك حياة أعطني ثقافة أعطيك انتماء. أولا يسعدنا جدًا ونثمن عاليًا أن نستضيف في بلدنا شفاعمرو هذا اللقاء الذي نثمنه عاليًا إنطلاقا من أنه ليس واجبًا فقط بل جزءًا من عرفان بالجميل، لإنسانة كالدكتورة روضة طيب الله ثراها ولجمعيّة الثّقافة العربيّة التي نثمن دورها عاليًا لمجتمعنا وثقافتنا".



وتابع السيد أمين عنبتاوي: "الدكتورة روضة كانت كإسمها التي حملته، كانت روضة من رياض العطاء، روضة كانت معطاء لمجتمعنا ولشعبها، فما أحوجنا بمثل هذه اليوم لمثل هذه الخامات والطاقات والجمعيّات والمؤسسات والشخصيّات الفاعلة حقًا لتُقدم لشعبنا ومجتمعنا، الحياة هي عطاء، الحياة لا تقاس بطولها ولا بتعداد السّنين، إنما تقاس بما يمكن أن نثريها ونغنّيها بالعطاء زخمًا وكمًّا وجودةً حيثُ الكيف والأداء والإبداع. بهذه المناسبة أقول لروضة شكرًا على كل ما قدمتِ، وقد قدمتِ الكثير، شكرًا باسم كل طالب جامعيّ دعمتموه بالجمعيّة، شكرًا لقاء كل مشروع وفعالية، شكرًا على كل ما كان، والعين تصبو إلى ما سيكون، وأنا متفائل جدًا وأقول لطيبة الذكر ثقي وكوني على يقين بأن الخلف سيكون كما السلف كان."

 



" بأن نحقّق الأحلام التي بها حلمت"

عن جمعيّة الثّقافة العربيّة، تحدث مديرها، الكاتب إياد برغوثي، وقال في كلمته: "قد يكون السؤال الذي رافقنا في خضّم مواجهتنا لوجع الغياب وهول الفقدان، خلال أيام العام الذي تركنا، كيف نبقيها معنا؟ كيف نبقيها في وعينا؟ قريبة منا؟ كيف نحفظ رسالتها؟ كيف نعلّق صورتها على وعي شعب خصّصت جلّ حياتها تكدّ وتعمل من أجل هويته وثقافته وكرامته الوطنيّة وحقوقه؟ وكان جوابنا حاسمًا مثلها: بأن نعمل ونعمل ونعمل. بأن نكمل المسيرة التي بدأت. بأن نحقّق الأحلام التي بها حلمت، بأن نكون ما أرادتنا دائمًا أن نكون. بأن نصون ما علينا أن نصون."



وخلال كلمته،كان قد أعلن مدير جمعيّة الثّقافة العربيّة عن قرار الهيئة الإدرايّة للجمعيّة بتسميّة المركز الثّقافيّ العربيّ الجديد في حيفا على اسم الدّكتورة روضة بشارة عطا الله، وأضاف: "تخليدًا لاسمها وذكراها وتقديرًا لجهودها العظيمة من أجل الثّقافة العربيّة والهويّة الوطنيّة. لقد اعتبرت الدّكتورة روضة هذا المشروع حلمها الكبير ونجحت مساعيها في تجنيد الدّعم له وتطوير مخططه المعماريّ، وسعت حتى آخر أيامها للتقدّم فيه، حتى يلبّي حاجة المجتمع الفلسطينيّ في الداخل وحركته الثّقافيّة إلى مساحة مهنيّة مستقلّة، متعدّدة المجالات وعربيّة الهويّة، لاحتضان وتنمية الطاقات الإبداعيّة الكامنة، ولتبادل المعرفة والخبرات، وبناء القدرات الفنيّة والأدبيّة والنقديّة وتطويرها، وتوفير جوّ ملهم ومشجّع على الإنتاج والنشر الثقافيّ والمبادرة الفنيّة، وتنظيم التواصل مع المؤسّسات والأطر والمبادرات الثقافيّة والفنيّة في العالم العربيّ والعالم أجمع."



"مجرد وجودها في حيزك يعطيك الشعور بالآمان"

عن التّجمع الوطنيّ الدّيموقراطيّ، تحدث النائب د.باسل غطّاس، وقال في كلمته: "لم تكن روضة ابنة خالة، إنما كانت أخت ورفيقة درب عشرات السّنوات، كانت شريكة في تفاصيل الطّريق ومسالكها وعثراتها وعتباتها، روضة كانت تملأ حياتنا وتشغلنا لتكون جزءًا من كلّ التّفاصيل، هي التي تلجأ إليها عندما تكبد المشاكل والتّحديات، وهي من تستدعيها لتكون معك في كل لحظات الفرح، هي مجرد وجودها في حيزك يعطيك الشّعور بالآمان، بأنك تبحر في مياه هادئة، ذلك أنها مرساتك، وكلما احتاجت أن تلتقي بها من عواصف الحياة."

وأضاف: "أيها الرفاق، أيها الشّباب، لقد حالفنا الحظ جميعًا بأن علاقة ما جمعتنا بهذه الإنسانة الكبيرة، قد يتفاوت عمر وعمق واتساع العلاقة بين أي واحد منكم وبينها، ولكن هناك شعاعًا واحدًا أشدّ ضوءًا من شعاع الشّمس ميّز هذه العلاقة مهما كانت طبيعتها، شعاع من الصدق المتقد والمحبّة الطّاغيّة، وهذان بوسعهما جعل أية علاقة إنسانيّة مهما طال أو قصر عمرها، اتسع أو ضاق مداها، علاقة خاصة متميزة تدوم في الذاكرة وتؤثر في الإنسان، وبين الصدق والمحبّة تنام المغفرة، فكانت روضة تتحمل إساءتنا وإساءات القدر، وإن غضبتْ أحيانًا، لا يدوم غضبها إلا لدقائق أو سويعات، لتعود البسمة المعهودة سيدة لكل موقف".

 



" ما أحوجنا في هذا الزمن الخريفيّ الرديء إلى أمثال روضة"

عند ختام الكلمات التأبينيّة، ألقى الأستاذ سهيل عطا الله، كلمة عن عائلة الراحلة، قال فيها: "عندما يرحل الذين نحبّهم لا يرحل الحبّ معهم، عندما يرحل الذين نجلهم لا يرحل الإجلال معهم، نحبّهم وحبّهم وإجلالهم باقيان معنا، هذا الكلام نردده كلما تحدثنا عن فقيدتنا الحاضرة الغائبة، روضة بشارة عطا الله، فهي لم تكن ملكًا لذاتها بل كانت ملكًا لمجتمعها، لسنا من الجاحدين لننسى فضل من خدم الحياة وجعلها حياة عمل لا يشوبها كلل، نستذكرها ونستحضر حياتها، نقف مع مواقفها. لقد بذلت ما استطاعت لمجتمعها وأعطت الغزير، الكثير والوفير. لقد مشت على وخزات الشوك والإبر معتبرة محبة شعبها مباركة."



وتابع الأستاذ عطا الله: "لا شيء في الدنيا استمالها كما استمالها حبّ شباب أمّتها، فكرست قوتها لحشدهم في الهمم، ودعمهم ماديًا ومعنويًا، حافظين للّغتهم وهويتهم، صائنين لجذورهم وتاريخهم، أقول هذا الكلام متذكرًا المساقات اللّغوية التي رعتها في المؤسّسة، إضافة إلى اصطحاب الأجيال الشّابة في زيارات مبرمجة لعناق تراب الوطن، من خلال التعرف على قرانا المهجرة، وإنشاد مزامير العودة. لقد اعتمدت روضة واقعًا حياتيًا قائمًا على الوفاء للجذور والأصول، وعرفت جيدًا أن غياب هذا الوفاء سيكون خيانة، من خلالها نقدم خدمة لأعداء الوطن. ما أحوجنا في هذا الزمن الخريفيّ الرديء إلى أمثال روضة التي أبت أن تترجل عن حصان امتطته مع أخي الياس، ما أحوجنا في عهد تكريس تشريع القوميّة اليهوديّة التي انتجها وأخرجها عتاة اليمين المتطرف مستهدفين محونا وترحيلنا إرثًا ولغة، ما أحوجنا إلى صوتها، صوت روضة مجلجلًا في أروقة تنظيماتنا المدنيّة والسّياسيّة لتترسخ قيّم حب الوطن."

 



كتاب "المغيّبون"، إهداءً إلى روح الدّكتورة روضة بشارة عطا الله

خلال الأمسية، أعلنت جمعيّة الثّقافة العربيّة عن إطلاقها لكتاب "المغيّبون"، والتي أهدته إلى روح الدّكتورة روضة بشارة عطا الله، وعن الكتاب وإطلاقه، تحدثت مركّزة مشروع اللّغة والهُويّة"، هبة أمارة، قائلة بداية: "سكنتها هواجس تعلم الشباب والأطفال لعربيّة سليمة لغة وهُويّة، فخططت لمشروعٍ من ثلاثة مراحل، وخلال الأعوام الخمسة الماضية نفذت جمعيّة الثّقافة العربيّة، بدعم من مؤسّسة التّعاون، مشروعيين تربويين لرصد الأخطاء اللغويّة وتشويه المضامين في كتب التّدريس التي تفرضها مناهج وزارة المعارف الإسرائيليّة على المدارس العربيّة في مناطق 48. المشروع الأول "تعلم العربيّة وعلمها للناس" للمرحلة الإبتدائيّة، والمشروع الثّاني هو "المناهج والهويّة" بمرحلتيه الإعدادية والثانوية، وكان لي شرف تركيز المرحلة الأولى من المشروع. وقد نظمت الجمعيّة حملات مرافعة وضغط إعلاميّ وجماهيريّ مؤثر للتوعية حول مخاطر هذه الأخطاء، فعلى صعيد الوزارة، اضطرتها لإلغاء كتب وسحبها من الأسواق، والاعتراف بمصداقية أبحاث الجمعيّة ونقدها، وخاصة في مجال اللّغة العربيّة".



واختتمت أمارة: "من ثمار هذه المرحلة، منتج يتلخص بكل فخر بكتاب "المغيّبون"، دراسة نقديّة لكتب المناهج الإسرائيليّة في المدارس العربيّة السّنويّة، شارك في كتابة فصوله السّبع، ستة متخصصين في المجالات: اللّغة العربيّة، نصوص الأدب العربّي، المدنيات، التاريخ، علم الاجتماع، التّربيّة الدّينيّة، بالإضافة لبحث ميدانيّ حول علاقات الطلاب/الطالبات العرب باللّغة العربيّة. أقدم الشكر على الجّهود الكبيرة، وأخص بالذكر، الدّكتور الياس عطا الله، فقد راجع جميع الكتب في جميع المجالات وكشف عن الأخطاء اللّغويّة فيها وتطرق لجميع المضامين، وكشف التّشويه المضامني فيها، وشكرًا لكل من: الدّكتور جوني منصور، الدّكتورة سهاد ظاهر ناشف، الأستاذ نبيل صالح، الأستاذ مطانس شحادة، الأستاذ نبيه بشير، الذين بحثوا مضامين الكتب كل بحسب تخصصه، الدّكتورة إيمان أبو حنا - نحّاس لتحريرها الكتاب ووضع مقدمته، السيدة نريمان كروم للتدقيق اللغويّ، السّيدة مها سليمان لمراجعة الكتاب وتحريره لغويًّا، السّيدة همت زعبي لتحرير النسخ، والسّيد عبد طميش للتصميم المبدع، والسّيد إياد البرغوثي على الإشراف العام والدّعم الدّائم. ننهي هذه المرحلة لنختم فصلًا بدأته الدّكتورة روضة وخططت له بكل تفاصيله، بكل طاقتها وشغفها، يصعب علينا أن نختم دون حضورها معنا، إلا أنني على يقين بأن حضورها فينا، ولروحها نهدي هذا كتاب المغيبّون."



"الموسيقى هي إحدى وسائل تخليد ذكرى إنسان"

كانت الفقرة الاختتاميّة للأمسية، مع عرض "نسيم الرّيح" الموسيقي لفرقة معهد "إطار – للموسيقى والفنّون" من الرملة، بإدارة فادي عازر، حيث تخللت الفقرة باقةً من الأغاني الوطنيّة الملتزمة، التي تشكّل جزءًا من هُويتنا الفرديّة والجماعيّة، أضف إلى أغنية واحدة من كلمات وألحان الفنانة ميرا عازر، بمشاركة كلٍّ من الموسيقيين؛ غادي أبو سمعان (بيانو)، نصر مخول (كمان)، شكري امسيس (قانون)، عنان عوّاد (عود)، أدهم درويش (كونتراباص)، عطّاف بشارات (إيقاعات) وغناء ميرا عازر.



وكانت قد وجهت الفرقة كلمة، قبل بداية الموسيقى، قالت من خلالها: "الموسيقى هي إحدى وسائل تخليد ذكرى إنسان والحفاظ عليها.. ونحن، من خلال هذا العرض نقدم تحيةً للدكتورة روضة بشارة عطا الله، للإنسانة التي تركت أثرًا كبيرًا على شبعنا وثقافتنا، وهذه الأغاني، هي أقل ما يمكن أن نقدّمَه لإنسانةٍ باقيةٍ معنا وحاضرةٍ فينا".